برحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يرحمه الله، فقدت الأمة قائدا فذا قدم الكثير والكثير لشعبه وأمته والإنسانية جمعاء. وستظل الأجيال الحاضرة والقادمة تذكره للإنجازات التنموية والحضارية في جميع مناطق ومدن وقرى المملكة وشملت كافة أوجه مرافق الحياة. ولقد جاء انتقال الحكم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بسلاسة ليلفت أنظار المراقبين، وهذا يعود إلى أن المملكة تقع في محيط جغرافي استراتيجي يتسم بالاضطرابات السياسية. غير أن المطلع على تاريخ المملكة ومنذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله يدرك أن عملية انتقال الحكم تسير وفق تنظيم مؤصل وأسس ثابتة مستقرة، بل وحتى في حالة الغياب المفاجئ للملك، كما حدث عند اغتيال الملك فيصل رحمه الله في 1975م لم يؤثر ذلك على عملية انتقال الحكم لولي عهده الملك خالد رحمه الله بكل سلاسة ويسر وسهولة. ولذلك تعد مبايعة الملك سلمان امتدادا طبيعيا لنهج وأسس الحكم في المملكة. والملك سلمان حفظه الله يعتبر شريكا أساسيا في إدارة شؤون البلاد منذ ريعان شبابه، حيث عهد له نيابة بإمارة منطقة الرياض في عام 1954م، ولم يكن قد بلغ العشرين عاما من عمره. ثم عين أميرا لمنطقة الرياض في العام التالي 1955 إلى أن استقال في عام 1960م. وفي 1963م أصدر الملك سعود رحمه الله أمرا ملكيا يقضي بإعادة تعيينه أميرا للرياض ليستمر في هذا المنصب حتى أصدر الملك عبدالله رحمه الله أمرا ملكيا في 2011م بتعيينه وزيرا للدفاع. وبعد وفاة ولي العهد الأمير نايف رحمه الله في 2012م اختاره الملك عبدالله وليا للعهد، قبل أن تتم مبايعته ملكا للمملكة يوم 23 يناير لاستكمال مسيرة الخير. ولعل هذا التدرج في سلم تحمل المسؤولية وإدارة شؤون الدولة وقربه من أشقائه الملوك السابقين ومشاركته لهم في اتخاذ قرارات مصيرية قد جعل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رصيدا كبيرا وقدرات رفيعة في إدارة شؤون المملكة بكل اقتدار ودراية. ولم تكن مشاركة الملك سلمان في إدارة الدولة قاصرة على الشأن المحلي، وإنما كان يقوم حفظه الله بدور بارز على صعيد الساحة الإقليمية والدولية. فقد قام بزيارات رسمية للعديد من البلدان العربية والإسلامية والصديقة. كما أنه رأس نيابة عن الملك عبدالله رحمه الله وفود المملكة في مؤتمرات القمة الخليجية والعربية والعالمية، وآخرها قمة دول مجموعة العشرين التي انعقدت في أستراليا. ومعروف عن الملك سلمان حبه ودعمه للثقافة والتظاهرات الثقافية في الخارج للتعريف بثقافة وقيم المملكة وإنجازاتها الحضارية. فقد رأس اللجنة العليا لمعرض (المملكة العربية السعودية بين الأمس واليوم) الذي جال الكثير من البلدان الأوروبية والأمريكية، وكان لي شرف المشاركة في هذا المعرض حين استضافته باريس عام 1986م حين كنت عضوا في سفارة المملكة بقيادة معالي السفير جميل إبراهيم الحجيلان. وما زلت أذكر بإعجاب وتقدير تقبل الملك سلمان للأفكار والمبادرات الوطنية الهادفة حينما عرض عليه السفير جميل الحجيلان تغيير اسم المعرض من (الرياض بين الأمس واليوم) إلى (المملكة بين الأمس واليوم)؛ لأن الفرنسيين والأوروبيين بصفة عامة يعرفون البلدان أكثر من معرفتهم بالمدن العربية. ويأتي تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان دفة الحكم في وقت تمر به منطقتنا بظروف شديدة التعقيد وبتحديات بالغة الخطورة، ولكننا على ثقة كبيرة ويقين راسخ بأن الملك سلمان، بعون الله وتوفيقه، ومؤازرة سمو ولي عهده الأمير مقر بن عبدالعزيز، وسمو ولي ولي عهده الأمير محمد بن نايف، ثم بالتفاف الشعب حوله، سيقود السفينة إلى بر الأمان ويواصل المسيرة نحو المزيد من الأمن والازدهار. * مدير عام فرع وزارة الخارجية بمنطقة مكةالمكرمة. المندوب الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي