لا هم إلا هم العرس، ولا وجع إلا وجع الضرس.. بهذه العبارة الطريفة يستقبلك طبيب الأسنان في جدة التاريخية، الطبيب الذي تسترجع معه كافة المهن والحرف القديمة حيث تجمع حول الطبيب عشرات الكبار والصغار يتأملون «عدة الشغل» مثل الزرادية وغيرها من الأدوات الحادة التي أرعبت الأطفال ممن يخضعون لعمليات خلع السن تحت التخدير واللعب وأفلام الفيديو. فكم من ليلة بات فيها من يؤلمه سنه يتململ ينتظر بفارغ الصبر حلول الصبح ليذهب إلى من يجيد خلع السن بالطرق البدائية كي يستريح، وتكون المعاناة كبيرة إذا كان السن من الأضراس لرجل كبير في العمر، فهناك صعوبة بالغة في الخلع. فوران الدم العم فتحي السيد يروي القصص التي كان يشاهدها لدى طبيب الأسنان قديما ويقول: كان القلب يرتجف من الألم الذي يصاحب عملية خلع الأسنان التي تجرى بدون مخدر، والأداة المستخدمة في الخلع تتسمى «الكلاب» بفتح الكاف. وعندما يأتي المريض يمسك المعالج الأداة ومن ثم يدخلها في فم المريض، ومن ثم يمسك بالسن المصاب ليحركه بقوة يمنة ويسرة مع محاولة سحبه بالقوة، ولا تسأل عن حال المريض الذي يتلوى من شدة ألم الخلع ليفور الدم من الضرس المخلوع ويقوم (أبو السنون) بحشو مكان السن بالملح في محاولة لوقف النزيف، وبعد كل الألم تجد من خلع سنه يدفع بسخاء لمن قام بالمهمة القاسية وأراحه من ألم الضرس. الزعتر والكمون يضيف العم السيد: كان الأطباء آنذاك يستخدمون أدوية شعبية في تخفيف ألم الأسنان مثل زيت القرنفل كمطهر ومخدر موضعي. ويتميز الزيت بأنه آمن وفعال للاستخدام المؤقت. ومن العلاجات التي يذكرها العم السيد مضغ الزعتر أو طبخه مع الكمون، بحيث يوضع على مكان الألم بعد المضمضة. ويعتبر الثوم من العلاجات الناجحة في تخفيف حدة الألم وتوضع حبات الثوم مطبوخا ومشويا على الأسنان وغيرها من تلك الاجتهادات التي ربما تخطئ وقد تصيب. العم فتحي السيد يقول: شاهدنا في الحقبة الماضية أناسا ادعوا قدرتهم على تركيب الأسنان الذهبية لمن يرغب وكانوا يفدون من بعض دول الشام، ويجوبون البلدات والقرى ويعرضون خدماتهم رجالا ونساء لأهل المنازل، وكانت الأسنان الذهبية موضة دارجة في تلك الأيام لكنها سرعان ما تسقط مع أول اختبار فيضطر المتضررون للبحث عن أطباء الأسنان المزيفين بلا طائل. أين يجدونهم بعد أن اختفوا في بلاد أخرى؟. عيادة أبو السنون يضيف السيد: لم يكن الناس قديما يعرفون مسمى عيادة الأسنان، ولم يعرفوا علاجا ناجعا لألم الأسنان غيرالخلع واحتمال الألم، ولعل أول عيادة لعلاج الأسنان هي التي افتتحت في جدة عام 1343ه بمسمى «عيادة أبو السنون»، التي أسسها الدكتور عباس شرقاوي، والذي تعلم مهنة تركيب الأسنان في تركيا وحصل على تصريح رسمي من المديرية العامة للصحة آنذاك. وتقع العيادة في حارة المظلوم، ويتم فيها خلع الأسنان بآلة تسمى الزرادية، أما تركيب الأسنان وتنظيفها وصنع الجسور فهناك ماكينة كانت تستخدم لذلك بطريقة بدائية يتم تحريكها بالقدم ولها أطراف لتركيب الأسنان وبردها، وكان سعر الخلع والحشو (10) ريالات، أما التركيب فكان ب (15) ريالا، والأشخاص يأتون من جميع أطراف المدينة ومن القرى والمدن الأخرى لزيارة عيادة أبو السنون طلبا للعلاج، كما عرف الناس تركيب أسنان من الذهب أو أسنان مذهبة بسعر (20) ريالا في العيادة.