من يؤرخ للمنتديات الثقافية الخاصة في بلادنا يعرف أن من أقدمها ظهورا كانت إثنينية عبدالمقصود خوجة في جدة التي تأسست عام 1982م، ومنذ أن تأسست تلك الإثنينية إلى اليوم وهي تحتفظ بمكانها في الصدارة، فهي تدار بطريقة محترفة ومن حين لآخر تدخل على نشاطها إضافات تبث في محتواها جاذبية وروحا جديدة. ولوجه الحق، يمكنا القول إن الإثنينية استطاعت أن تبز معظم المنتديات الثقافية المحلية، فهي تعد رائدة في أمور ثلاثة سبقت بها غيرها من المنتديات، الأول، أنها لم تكتف بالاحتفاء بالرموز المحلية ممن تركت إنجازاتهم أثرا بارزا في المجتمع، وإنما مدت نشاطها إلى خارج المملكة لتضم إلى ضيوفها رموزا من البلاد العربية أثروا بفكرهم وجميل عطائهم عالمنا العربي. والأمر الثاني، أنها تبنت جمع النتاج الأدبي والفكري لأدباء ومفكرين معروفين وتولت طبعه وإصداره ضمن سلسلة ثقافية عرفت باسم (كتاب الإثنينية)، فأضافت إلى المكتبة العربية ثروة معرفية، يعرف الباحثون والدارسون قدرها تمام المعرفة. أما الأمر الثالث، فيتمثل في جرأة الإثنينية جرأة لم يتوفر مثلها إلى الآن في غيرها من المنتديات المحلية، فالإثنينية هي أول منتدى ثقافي خاص يفتح أبوابه للسيدات، معلنا أن الثقافة والفكر أمر مشاع بين النساء والرجال ولا فرق، وقد شاهدت عبر اليوتيوب بعض الأمسيات التي استضيفت فيها النساء متحدثات، فأكبرت في صاحب ذلك المنتدى روحه المتطلعة إلى الأفضل دائما، وشجاعته المعنوية، وتعبيره العملي عن تقديره للمرأة وإيمانه بتأثيرها في نهضة المجتمع ودعم التنمية فيه. لكن هذا الوجود الجميل للإثنينية في صورته الحالية مربوط بقاؤه واستمراريته ببقاء صاحبها، أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، فهي كما بدت لي لا تحمل أسسا ثابتة يرتكز عليها بقاؤها، لا ماديا ولا إداريا، لذلك فإني أود أن أطرح هنا بعض المقترحات التي قد تكون مناسبة لحفظ بقاء الإثنينية واستمرار وجودها وحفظ ذكرى مؤسسها وجهوده البانية. إن الإثنينية بهذا العطاء المتنوع والثراء الفكري، تستحق أن تكون ضمن مركز ثقافي يطلق عليه اسم صاحب الإثنينة، (مركز عبدالمقصود خوجة الثقافي)، ويمكن لهذا المركز أن يكون له مجلس إدارة وإدارة تنفيذية لوضع خطط العمل والإشراف على إدارة النشاطات الثقافية والفكرية فيه، كتقديم الندوات والمحاضرات وعقد ورش العمل والأمسيات الشعرية، وإقامة المعارض الفنية والاحتفال بالمناسبات الوطنية وغير ذلك من الجوانب الثقافية المختلفة. وبطبيعة الحال، فإن مركزا كبيرا كهذا جدير بأن يكون له مقر منفصل خاص به، وأن يتوفر له مصدر مالي مستقل للإنفاق منه على نشاطاته. هذا يعني، وجود حاجة إلى تخصيص وقف لهذا المشروع الثقافي الكبير، ليصير قادرا على الإنفاق على ذاته، فلا يكون تمويله عقبة تحول دون بقاء استمراريته بعد غياب المؤسس.