** لن يكون العام الميلادي الجديد عاما عاديا كما هو بالنسبة للكثير من الأعوام السابقة.. ** فهو من جوانب معينة سيكون عام الأحداث والتقلبات الكبيرة بصورة غير مسبوقة.. ** ومن نواح أخرى سوف يكون عام الصعوبات المالية والاقتصادية الحادة في هذا العالم. ** كما سيكون عام فرز ومراجعة لبعض السياسات والمواقف والتوجهات لإحداث تحولات حقيقية في خارطة العمل السياسي في منطقة الشرق الأوسط. ** أما بالنسبة للشعوب .. فإنني لا أستبعد أن يكون العام بالنسبة لها عام هدوء نسبي بعد أن تعرضت في السنوات الأربع الماضية لاستغلال واضح لمشاعرها وتطلعاتها إلى مستقبل أفضل تنعم فيه بالمزيد من المشاركة .. والحقوق .. والحريات لكنها وجدت أمامها وضعا مختلفا تماما .. وإن كانت ستظل عرضة لحملات الاستقطاب والتجييش للعمل ضد أوطانها عن طريق شق صفوفها .. وتوجيه ثقافتها وجهة سلبية أقرب إلى التشدد والانكماش منها إلى الانفتاح.. والبناء وصناعة المستقبل الأفضل. صدمة شعوب المنطقة ** هذه الشعوب تعيش الآن حالة صدمة .. ** فبعد أن كانت تتوق كما قلنا إلى تغيير أفضل لأوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية .. بعد ذهاب بعض الزعماء وفي مقدمتهم صدام حسين في العراق .. ومعمر القذافي في ليبيا .. فإنها وجدت نفسها غارقة في حمأة حروب أهلية .. وتمزقات داخلية غير مسبوقة .. لا يجمع بينها إلا خيط واحد هو إسقاط الدولة .. وتدمير البلد .. وإفقار الشعب .. وإسلامه لحالة من اليأس والإحباط والتصرف على نحو لا يخدم الأوطان ولا يحافظ على المستوى المطلوب من الوحدة الوطنية فيها بعد أن تمكنت الفتنة من التأثير بشكل مباشر على هذه الشعوب .. وأدخلتها في متاهات التصنيفات الضيقة .. والبعيدة عن روح المواطنة الحقة. ** هذه الحالة وإن تركت آثارا وبصمات قوية على سائر دول المنطقة الأخرى بما فيها المستقرة تماما وإن بدرجات متفاوتة تبعا لمدى متانة كل دولة من الداخل .. إلا أن ارتدادات تلك الأزمات الناشئة عن الفوضى وتفشي الإرهاب وتحركاته في كل اتجاه وتصديره قد طالت الجميع. ** ويمكن القول إن هذا الوضع الأمني الذي تعرضت له المنطقة لم يكن وحده هو الأسوأ .. بل إنه ترتب عليه وضع اقتصادي صعب استنزفت فيه احتياطيات الدول المأزومة إلى أبعد حد .. وعاشت معه شعوبها وما تزال وضعا مأساويا لا قبل لها به ولا قدرة عندها على تحمله بعد اليوم. ** فماذا ننتظر في العام المالي الجديد (2015م)؟! المملكة والعالم: مؤشرات إيجابية ** الإجابة ستكون باستعراض مجمل الأوضاع في المملكة وخارجها. ومن أبرز تلك الملامح المشتركة والعامة للأوضاع نلاحظ أنها تتجه إلى: 1/ عودة الهدوء التدريجي إلى المنطقة .. وتراجع حالة التصعيد الأمني ولا سيما بعد أن اتجهت الأمور في جمهورية مصر العربية إلى الاستقرار بسطت فيه الدولة هيبتها وأوشكت على استكمال الحلقة الثالثة في «خارطة المستقبل» باتمام الانتخابات البرلمانية فيها وإعادة بناء الدولة المصرية على أسس قوية وراسخة. وفي نفس الوقت .. فإن تونس الشقيقة أيضا أنجزت عدة خطوات إيجابية في نفس الاتجاه بعد انتخابات نموذجية فاز فيها حزب نداء تونس المعتدل .. وخرج حزب النهضة من الواجهة .. وتسلم الرئيس الجديد «قائد السبسي» سلطاته الدستورية يوم الأربعاء الماضي وبالتالي دخول البلاد مرحلة الاحتواء الكامل للمشكلات والقلاقل التي شهدتها منذ التغيير الذي وقع فيها بتاريخ 14/1/2011م. ** صحيح أن الوضع في سورية لم يحسم بعد .. كما أن الوضع في العراق مازال غير مستقر .. كما أن الوضع في ليبيا .. بات أكثر سوءا مما كان عليه في السابق، فيما الوضع في اليمن مازال غير مطمئن أبدا. ** ورغم ذلك .. فإن أن هناك مؤشرات إيجابية تقول .. إن التحركات الدولية الراهنة قد تسفر عن معالجات ملائمة وإن لم تكن نهائية لتلك الأوضاع المتأزمة .. وبالذات في ظل التقارب وتوحد الرؤى بين الدول العربية الرئيسية وهو تقارب يقود إلى التفاؤل بالتوصل إلى «تسويات» معقولة ومقبولة تحد من تمدد هذه الأخطار وانتشارها .. وتعمل على دفع المنطقة إلى الاستقرار التدريجي بجهود حثيثة سواء على مستوى الإقليم.. أو على مستوى التحرك دوليا .. بعد أن حصلت القناعة لدى الجميع بأنه لا مصلحة لأحد في استمرار الفوضى وتفجير المنطقة من الداخل. مرحلة مصالحات ترميما للبيت العربي ** وإذا كان هناك ما يستحق الوقوف عنده أكثر فهو هذه المصالحات التي تمت بين قطر وشقيقاتها الخليجيات ثم بينها وبين جمهورية مصر العربية بكل ما سيترتب عليها من توسيع دوائر التعاون بين الخليج ومصر .. وبينهما وبين دول الإقليم العربية التي حان الوقت لحشد قدراتها وتطوير أوجه التعاون بينها بعد أن توقف العمل العربي المشترك تماما. ** ولا شك أن عودة تونس إلى الاستقرار كما قلنا من شأنه أن يساعد على بناء تعاون أكبر بينها وبين كل دول المغرب العربي الأخرى، ثم بينها وبين جمهورية مصر العربية .. وكذلك مع المجموعة الخليجية للعمل معا من أجل السعي إلى استقرار الأوضاع المضطربة في ليبيا وإيقاف الاحتراب فيها وعدم السماح بتدويل القضية تجسيدا للعجز العربي الذي يجب عدم السماح باستمراره. ** أما بالنسبة لليمن .. فإن الشعب اليمني كفيل بتصحيح الوضع هناك وعدم السماح بتحويله إلى بؤرة مشتعلة تتقد فيها النيران لتحرق اليمن واليمنيين .. وتعطل الملاحة الدولية وتهدد أمن وسلامة المنطقة. ** ولا أعتقد أن بمقدور أي قوة خارجية أن تهيمن على الدولة والشعب اليمني .. بصناعة دولة داخل الدولة اليمنية كما هو الحال في لبنان .. يدرك هذا الحوثيون كما يدركه الإيرانيون تمام الإدراك.. لأن الأغلبية السكانية في أي بلد تظل هي الأغلبية ولا يمكن سحقها أو الغاؤها أو تجاهل وجودها الكبير .. وبالذات لأن اليمن عاش متصالحا مع نفسه قرونا طويلة .. كان فيها الشعب على الدوام .. سيد نفسه. ** وما أتوقعه هو أن تنجح القوى السياسية الوطنية به في للتوصل إلى تسوية محلية وإلى خيارات مقبولة تساعد على قيام الدولة بواجباتها وتضطلع بمسؤولياتها دون السماح بأي تدخل أو تأثير عليها من الداخل أو الخارج. ** وإذا لم يتحقق ذلك .. فإن المجتمع الدولي لن يسمح للأوضاع بأن تتدهور أكثر .. وإن كان يتحتم على المجموعة العربية أن تعمل قبل ذلك على مساعدة اليمن على إيجاد حل مقبول لتسوية أوضاعه بعيدا عن تدخل الأممالمتحدة بصورة أشد حزما وحسما مما هو جار حتى الآن. ** وقد ينطوي الحل الأممي على إصدار عقوبات تصعيدية ضد من يساهمون في زعزعة الوضع هناك من شأنها أن تنزع فتيل الحرب الأهلية في البلاد وتحافظ على وحدة وسلامة اليمن .. كحد أدنى .. أو أن تجد نفسها مضطرة للوقوف إلى جانب الشعب اليمني الرافض للحالة الراهنة والميال إلى التعايش .. وتحقيق السلامة العامة في أرجاء البلاد لأنه بطبعه شعب مسالم ومحب للحياة .. ولأنه قد تحمل الكثير ولن يكون مستعدا لتحمل المزيد من الفوضى .. أو التنازع والتشرذم. مواجهة جماعية أقوى للإرهاب 2/ إن الحرب على الإرهاب سوف تستمر بوتيرة تصاعدية للحيلولة دون التمكين للتيارات المتشددة من التأثير على الوضع العام بالمنطقة وتجاوزها إلى مناطق أخرى .. وذلك عن طريق تضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية، وتصحيح الوضع في سورية والسعي الحثيث إلى إخراج جميع القوى والأطراف الخارجية منها بالكامل لإسقاط مبرر النظام في أن غيابه عن الساحة يتيح المجال أمام سيطرة تلك التنظيمات على البلاد .. وكذلك منع التدخلات الخارجية في شؤون سورية .. والمنطقة من ورائها .. وإن كنت أرى أن التعامل الحالي سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى الدولي لا يقود إلى تسوية على الإطلاق بقدر ما يطيل في عمر النظام الحالي .. ولا يظهر جدية حقيقية في تبني مرحلة انتقالية كاملة نص عليها اتفاق جنيف/1، وذلك ما يستدعي مضاعفة الجهود لتبني تلك المقررات. أما بالنسبة للوضع في العراق .. فإنه يتطلب تأمين سلامته في الداخل ومنع أي بوادر أو مظاهر قد تؤدي إلى تفكيكه .. وهذا يتطلب جهودا إقليمية ودولية كافية وأمينة وبعيدة عن الصفقات يكون من شأنها أن تبعد شبح التجزئة والتقسيم عنه، وتمكن الدولة العراقية من الثبات ولملمة الشمل .. وذلك يتطلب إبعاد إيران تماما عن التدخل في شؤونه الداخلية وممارسة الضغط وإملاء السياسات التقسيمية عليه. 3/ إن هناك مؤشرات إيجابية .. على مراجعة تركيا لبعض سياساتها في المنطقة .. نأمل أن تتطور إيجابيا.. بتفهم تركي أفضل لطبيعة الأخطار المترتبة على اختلاف الرؤية بينها وبين بعض دول المنطقة حول التعامل مع موضوع الأكراد .. وكذلك قضايا الإرهاب والتشدد وجماعات الإخوان. ولا أستبعد أن تؤدي هذه الجهود إلى تقارب أكبر يقود إلى تسوية الخلافات القائمة بين تركيا ومصر على سبيل المثال .. وبما يعين على ترسيخ قواعد العمل الإقليمي المشترك نحو تحقيق الاستقرار والهدوء .. ومحاصرة كل ما من شأنه العمل على إضعاف الدول من الداخل .. وإيجاد دول صغيرة داخل كل دولة كما حدث في لبنان ويحدث في اليمن .. وكما تحاول إيران أن تفعل في العراقوسوريا وغيرهما معتمدة في ذلك على أجندة ذات طبيعة آيدلوجية ترتبط رموزها بطهران وتتحرك بتوجيه منها .. وتعمل لصالحها داخل كل دولة. خيار واحد أمام إيران وإذا نجحت الجهود الساعية إلى «ترطيب» الأجواء مع تركيا .. فإن إيران تصبح بعد ذلك أمام خيار من خيارين: فإما أن تذعن لتيار المصالحات القائم على سد الفجوات بين دول الإقليم وتتخلى عن سياسة امتلاك مفاتيح السيطرة على المنطقة من خلال تعزيز البؤر والتكتلات التي تدين لها بالولاء داخل دول المنطقة وبين شعوبها. وإما أن تمضي في سياساتها تلك .. وتتحمل نتيجة الصدام مع دول المنطقة القوية .. ومع الإرادة الدولية التي بدأت تتبلور في اتجاه القناعة بعدم جدوى المضي في سياسات الفوضى والتدمير والتخريب لمقدرات هذه الأمة .. ولا سيما أن إيران لن تتمكن على المدى الطويل من الاستمرار في الصرف المفتوح على تلك البؤر والتكتلات المزروعة داخل دول المنطقة وبالذات في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه ويتطور في اتجاهات سلبية وربما مدمرة أيضا. 4/ أما على المستوى الأمني .. فإن الوضع هو الآخر مرشح للتحسن التدريجي .. وإن كان هذا التحسن مطلوبا وبقوة عبر لجوء دول المنطقة إلى سياسات الاحتواء من مركز القوة وليس الضعف تغليبا للمصلحة العليا لتلك الأوطان .. وهذه مهمة معقدة لكنها ستكون مفيدة على المستويين المتوسط والأبعد .. لأنه لا خيار للدولة أفضل من طرق جميع الأبواب المؤدية إلى المصالحة وإعادة بناء الثقة بين الجميع وبين الدولة وتحت مظلتها وليس بعيدا عنها منعا للاختراقات الخارجية لنسيجها الثقافي والاجتماعي .. ويرجع التعقيد في هذه المسألة إلى أن سياسة الاحتواء تعتمد المرونة والانفتاح والتعامل مع الجميع بإعطاء فرص متكافئة للجميع للعمل معها .. وإن كان البعض يحذرون من مغبة تقديم تنازلات قد تمس هيبة الدولة وقدرتها على السيطرة على الأمور. ** هذه المخاوف قد تكون مبررة في الماضي لكنها لا يجب أن تستمر بعد أن اتجهت الأمور نحو الاستقرار في مصر .. (أولا) وتونس (ثانيا) وتسير في نفس الاتجاه في دول أخرى. ** ومع ذلك فإن علينا أن نفترض أن الجماعات المعارضة أو المزعجة أو الخارجة على القانون لم تستجب للجهود المبذولة في اتجاه ترميم العلاقة وإصلاح الصدوع .. وهذا متوقع أيضا .. لكن المضي في هذا الاتجاه مطلوب وهو يعتمد على حكمة كل دولة في التعامل مع قضية الانشقاقات .. والوصول بالجميع إلى تفهم مشترك لأولويات تغلب استحقاقات الوطن على كل ما عداها. ** ولو حدث هذا فإن الكثير من أعمال التخريب والتدمير والحرق التي نراها الآن ستختفي بالتدريج وسوف تنصرف الدول إلى رفع معدلات التنمية في الأوطان كنتيجة طبيعية لتوظيف مدخراتها ومواردها في الاتجاه الإيجابي البناء. دور إيجابي للشباب في المرحلة القادمة 5/ هناك إدراك قوي لأهمية دمج الشباب في مجتمعاتهم بصورة أشد وأقوى بمزيد من الثقة فيهم والتبني لطموحاتهم وباستيعابهم في هياكل الدول ومؤسساتها الحكومية وغير الحكومية، وذلك لن يتحقق إلا بوضع خارطة طريق مستقلة للتعامل مع هذه الأغلبية السكانية الكبيرة في الوطن العربي .. ووضع آليات واضحة ومحددة تعين على تنفيذ هذه الخارطة وتفعيلها. وإذا تحقق هذا الهدف بدقة فإن حالة من الانفراج الشديد ستحل بمنطقتنا .. ولا يصبح الشباب مجالا للتجاذب بين المجتمع وبين القوى المعارضة أو المتطرفة .. وبالتالي نحمي الأوطان من محاولات الاحتواء لهم من قبل الأعداء من الداخل والخارج. وهناك أكثر من فرصة لتحقيق هذا الهدف سواء من خلال الدول أو القطاع الخاص أو من قبل المجتمعات ككل .. وذلك بالتنسيق فيما بينها وهذا يتطلب عملا مشتركا رفيع المستوى وتوزيعا متكافئا للأدوار يضع هذا التوجه موضع التنفيذ. *** الداخل السعودي .. خلال العام ** بصدور ميزانية الدولة الأخيرة بكل ما حفلت به من التأكيد على استمرار الدولة في سياستها الإنفاقية على مشاريع التنمية وعدم المساس بالحقوق والمكتسبات .. وما تبع ذلك من تفاؤل .. فإن العبرة تصبح بعد ذلك في التنفيذ الدقيق والمتقن لتلك السياسات.. وفقا للأسس والمعايير التي حددها الملك (يرعاه الله) ممثلة في الآتي: 1) تحقيق التكامل القوي بين الدولة والقطاع الخاص. 2) رفع مستوى الكفاءة والأداء في القطاع الحكومي. 3) الترشيد .. وتجنب الإهدار بكل أشكاله وألوانه. 4) توفير المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين. ** صحيح أن هناك تحديات حقيقية تواجهنا في هذا العام .. بعضها له علاقة بأسواق النفط وأسعاره.. وبعضها الآخر يرتبط إلى حد كبير بأنشطة الإرهاب التي تستنزف قدرات الجميع وتتطلب إنفاقا هائلا للحيلولة دون تمكنها من دولنا ومجتمعاتنا. ** وفي هذا الصدد فإن طمأنة الدولة للجميع بأن سياساتها البترولية أو المالية مستوعبة للأوضاع الاقتصادية في المنطقة والعالم وأنها حريصة على ألا تؤثر علينا .. أو تقف حائلا دون استمرارنا في الإنفاق على خطط وبرامج ومشاريع التنمية .. فإننا لا يجب أن نقلق .. أو نتشاءم .. ونفس الحال .. فإننا وبجهود جادة مع بعض دول الإقليم والمجتمع الدولي نعمل حثيثا على استئصال شأفة الإرهاب .. من المناطق التي استفحل فيها .. أما في بلدنا فإن الضربات الاستباقية لهذه التنظيمات ولذلك الفكر كفيلة بأن تؤمن وطننا من الداخل .. وإن كان هذا يتطلب مزيدا من التعاون والوعي الجمعي لمواجهة هذا الخطر وتلك مهمة تحتاج إلى تضافر جهود المؤسسة التعليمية والتربوية مع المؤسسة الثقافية والإعلامية وتكاملهما مع كل من المؤسسات الاقتصادية والدينية في المملكة وذلك لأهمية أن تكون المعالجة فكرية واقتصادية قبل أن تكون أمنية وعقابية. ** وبكل تأكيد فإن عملا بهذا المستوى يحتاج إلى: (1) مشروع تكاملي محكم بين هذه المؤسسات مع المؤسسة الأمنية القوية. (2) رأي عام مدرك وواع لأهمية الحفاظ على هذه الدولة بعيدا عن التشدد تجسديا لسماحة الإسلام. (3) إعادة صياغة لبعض السياسات المطبقة منذ زمن طويل كالسياسة التعليمية .. والسياسة الإعلامية من جهة وكذلك الحاجة إلى تقنين الأحكام وتشديد العقوبات ضد من يقومون بأعمال منافية لمصلحة الوطن .. وإلى تنفيذ سريع للأنظمة والقوانين والسياسات الجديدة يحول دون استمرار الظاهرة بيننا. أولويات هامة في العام الجديد ** وإذا نحن تجاوزنا هذه القضية بالنجاح المأمول بفعل تصميم الدولة على تحقيقه.. فإن علينا أن نلتفت إلى: 1/ رفع مستوى الخدمات الصحية بالعمل في اتجاهين؛ اتجاه زيادة عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية، واتجاه تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال والمساهمة في تلبية احتياجاته. 2/ حل جميع المشكلات المرتبطة بمشاريع الإسكان .. بتوفير المزيد من الأراضي .. وتيسير إجراءات الاقتراض من البنوك .. وحسن التوزيع للوحدات السكنية على المناطق .. وللمستحقين بحسب أولويات واضحة ومحددة .. وكذلك بوضع خارطة زمنية تحدد كيفية التغطية وتلبية الاحتياجات سنويا وكل خمس سنوات وإلى عشر سنوات من الآن .. ويكون العام الحالي الجديد نموذجا لمعدل الإنجاز في هذا القطاع. 3/ تقليص الفجوة بين أجهزة الدولة التوظيفية (وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل) وبين القطاع الخاص ممثلا في البنوك والشركات والمؤسسات الكبرى.. لضمان استيعاب أكبر عدد ممكن من الشباب في الوظائف الجديدة كأولوية مطلقة بدءا بالعائدين من الابتعاث ومرورا بخريجي الجامعات السعودية وانتهاء بتوفير فرص عمل متنوعة للمرأة. ** ومن الصعب تحقق هذا دون تنسيق وثيق بين الوزارتين وبين وزارات المالية والتخطيط والتجارة والصناعة، وبإعداد خطة مشتركة تشجع القطاع الخاص على استيعاب العدد الأكبر .. وذلك بمراجعة السياسات والخطط والبرامج الحالية ومنها «نطاقات» وبما يوفق بين مصلحة الدولة ومصلحة القطاع الخاص لما فيه خير ومصلحة الوطن .. لأن الفجوة ما زالت كبيرة بين القطاعين في هذا المجال .. والأمل كبير في أن يتحقق ذلك خلال عامنا هذا تقليصا لحجم البطالة وتوفيرا للحلول العملية لها. 4/ ولا نستبعد أن يحفل العام الجديد بمراجعة الخطة الخمسية العاشرة للدولة في ضوء المعطيات الجديدة التي أفرزتها أوضاع سوق النفط.. في ضوء سياسات بعض الدول من خارج منظمة الأوبك باللجوء إلى سياسات الإغراق .. وما يفرضه ذلك من إجراءات قوية من قبل «أوبك» لمعالجة هذا الوضع من جهة .. وتسريع الجهود المحلية لتطوير وزيادة الاهتمام باستخدام الطاقة البديلة والتوسع في برامجها عن طريق مدينة الملك عبدالله المتخصصة في هذا الشأن .. وكذلك عن طريق العمل على رفع الناتج الوطني من خارج إيراد النفط .. بتفعيل دور القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار والتوسع فيه. قيادة المنطقة إلى منصة الاستقرار ** إن الاهتمام بالشأن المحلي بمثل هذه الصورة المتصفة بالتصميم والحيوية.. لن تثني المملكة عن مواصلة جهودها العملية الجادة لتجسير الفجوات الموجودة في العمل العربي بشكل عام .. وفي العمل الخليجي بشكل خاص وما نتوقعه في العام الجديد هو: 1) استكمال بحث مشروع الانتقال بمجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد تطويرا للصيغة الحالية وبالذات في ظل تزايد الشعور لدى الشعوب بضرورة تبني هذه النقلة النوعية فورا تحقيقا للتكامل المنشود. وذلك بإعداد جدول زمني يضع هذا المشروع موضع التنفيذ. 2) الجمع بين القيادتين المصرية والقطرية .. وبدء مرحلة جديدة من التعاون والعمل المشترك على كل الأصعدة. 3) ترميم العلاقات التركية/المصرية .. وتجسير الفجوة في العلاقات العربية التركية بشكل عام .. تمهيدا لمشاركة الأتراك بقوة أكبر في معالجة قضايا المنطقة .. سواء ما يحدث في سوريا .. أو العراق .. أو اليمن وغيرها. 4) تعزيز التعاون بين دول عربية مركزية لإعادة الأمن والاستقرار إلى الشقيقة ليبيا .. لتدخل في نفس المسار الذي سارت فيه مصر وتونس .. وتجنيبها مغبة استمرار الحرب الأهلية فيها .. وتمكينها من الدخول في مرحلة بناء وتنمية شاملة بالاندماج الكلي في المنظومة العربية بصورة أفضل من السابق. 5) مساعدة لبنان بكل قوة نحو حل مشكلة الفراغ الدستوري وتمكين قواه السياسية من الاتفاق على شخصية مقبولة تتولى مسؤولية الرئاسة .. والخروج بالبلاد من المأزق الذي هي فيه .. وتهيئة الأجواء بين اللبنانيين للتعاون من جديد بمعزل عن التطورات الإقليمية التي انعكست على لبنان وأضرت به كثيرا. 6) توظيف الجهد العربي المشترك .. نحو تعاون دولي فعال لمنع حالة التمزق والانجراف نحو حرب أهلية في اليمن .. وسوق المنطقة إلى مصير مؤلم .. وذلك بالعمل على عودة اليمن إلى الحظيرة العربية وإيقاف التدخل الإيراني في شؤونه وتوحيد صفوف أبنائه .. وإخراجهم من الوضع المعقد الذي هم فيه الآن .. بمزيد من العمل المشترك بين دول مجلس التعاون ودول المنطقة المستقرة بالتعاون مع الأممالمتحدة .. واتخاذ كل ما من شأنه العودة باليمن إلى الاستقرار وإبعاده عن المصير المؤلم الذي يتجه إليه. 7) سعي المملكة بقوة إلى إعادة التضامن العربي للطريق الصحيح بعد فترة من الجمود بسبب التطورات السلبية التي شهدتها المنطقة .. ونتوقع أن تتم قبل نهاية العام بلورة صيغة جديدة لهذا التضامن تعود معه القمم العربية إلى الانعقاد .. بعد استرداد مصر وتونس وبقية الدول العربية الأخرى لعافيتها واكتمال العقد بخروج اليمن وليبيا وسورياوالعراق من الدوامة التي هي فيها الآن. توسيع دوائر التهدئة ** وإذا أراد الله الخير لهذه الأمة .. وهو يريد لها ذلك .. إن شاء الله تعالى .. فإن جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يحفظه الله) ستمتد إلى خارج الإقليم لضمان عودة التضامن العربي الإسلامي بأوسع مداه .. وإلى تعزيز التعاون العربي الأفريقي بصورة أوثق تحقيقا للتكامل الاقتصادي بيننا كعرب وبينهم كأفارقة .. وبيننا وبينهم جميعا مع العالم الإسلامي ومن ثم الأسرة الدولية .. وسط دعاء الجميع للملك عبدالله بدوام الصحة والعافية وطول العمر. ** وإذا كان هناك ما أختم به هذه القراءة فهو أن هذه المنطقة بحاجة باستمرار إلى حكمة وبصيرة وقلب الملك الكبير لإعادة الصفاء إلى المنطقة وتسوية جميع المشكلات وسد الفجوات التي جعلتنا في حالة تمزق غير مسبوقة. وإعادة الأمل إلى الشعوب من جديد .. والانتقال بمنطقتنا إلى مراحل جديدة من العمل البناء نحو ترجمة التطلعات والأحلام إلى إنجازات يساهم فيها الشباب بدور إيجابي وحقيقي وفعال.