•• بعد صدور إعلان الكويت وقرارات القمة الخليجية الرابعة والثلاثين .. واستكمالا للتحليلين السابقين المنشورين يومي الثلاثاء والأربعاء (7 -8 /2/1435ه) .. وبعد حضوري لهذه القمة .. وتواصلي مع بعض الأطراف المشاركة فيها وقراءتي لوجوه الحضور فيها وتلمسي لردود الفعل المرافقة لانعقادها أستطيع القول الآن: (1) إن دولة الكويت الشقيقة بذلت جهودا غير عادية لتقريب وجهات النظر حول بعض المسائل المعلقة .. وجنبت القمة أي توترات بسبب الاختلاف مع بعض الأعضاء حول مدى الحاجة إلى سرعة قيام الاتحاد الخليجي بعد سنتين من التداول والمشاورات والاتصالات واللقاءات والتفاهمات التي أجرتها الهيئة المشكلة لمتابعة هذا المشروع الحيوي الهام .. وإن أمير الكويت شخصيا الشيخ صباح الأحمد .. قد استطاع أن يوفر للقمة فرص السلامة باتصالاته ولقاءاته ومشاوراته السابقة لعقدها أو أثناء وجود قادتها في الكويت .. وذلك شيء يذكر له ولبلاده .. وإن كان هناك من يقول إن الكويت نفسها كانت مع التوجه الذي انتهت إليه القمة وتبناه إعلانها وقراراتها وهو مواصلة المشاورات والدراسات حول إتمام مشروع الاتحاد .. لاسيما أن مجلس الأمة الكويتي لم يصادق حتى الآن على الاتفاقية الأمنية التي وقعتها بقية دول المجلس منذ سنوات طويلة .. ونحن مانزال نعمل في إطار الصيغة الحالية للمجلس .. فكيف إذا كان التوجه هو إتمام الاتحاد غدا بكل ما يترتب عليه من حقوق والتزامات متبادلة بين جميع الدول الأعضاء. الاقتصاد مهم ولكن؟ (2) إن المجلس أكد بإقراره بعض الخطوات الهامة ومنها اعتماد قيادة عسكرية موحدة وإنشاء أكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية وإنشاء «إنتربول» خليجي موحد، وأكد أنه مع ضرورة تطوير صيغة التعاون الحالية تحقيقا للمزيد من التكامل بين دوله .. وهو إقرار ينسجم مع التوجه الذي طرحته المملكة وطالب به الملك عبدالله أشقاءه بقمة الرياض في محرم عام 1433ه، ورغم ذلك فإن عمان تأتي اليوم لتقول «لا» لقيام الاتحاد .. أو أن يكون هناك من يطالب بالتريث وإخضاع المشروع لمزيد من الدراسة .. والتشاور .. في وقت تبرز فيه صأخطار جديدة .. وكبيرة تتهدد منطقتنا الخليجية .. وتدعو إلى تسريع العمل لتبني المشروع وتركيز الجهد على تخطي العقبات التي تعترض تنفيذه .. سواء على المستوى الهيكلي والتنظيمي .. أو على المستوى الاقتصادي .. أو العسكري والأمني .. وذلك بتحديد تلك التحديات بدقة .. ووضع برنامج زمني للتعامل معها .. وإيجاد آليات فعالة لمعالجتها .. والعمل على تجاوزها .. مادام أن هناك رغبة .. وشبه اتفاق عام على أهمية المشروع ومدى الحاجة له .. وبالتالي فإنه لا مبرر لهذا التردد أو التلكؤ في تنفيذ الفكرة. ولذلك فإن السؤال الذي ينشأ على الفور هو: •• إذا لم تكن التداعيات الأمنية التي تشهدها سوريا ومصر واليمن وكذلك تونس وليبيا .. وما يرتبط بها من مواقف وتحالفات راهنة جمعت بين روسياوإيران وحزب الله .. كشركاء وفروا الحماية حتى الآن للنظام السوري وتبرير بقائه على حساب إرادة شعبه .. وكذلك ممارسات الإخوان المسلمين في مصر لإسقاط الدولة المصرية .. وإعادة سلطتهم من جديد على مصر .. وكذلك تفاقم الوضع الأمني في اليمن .. وتعطيل الاتفاقية التي وضعت بتعاون دول الخليج مع الأممالمتحدة لضمان الاستقرار فيه .. إذا كانت هذه الأوضاع بكل ما تمخض عنها من اختزال للمأساة السورية في اتفاقية الكيماوي بين الأسد وكل من أمريكاوروسيا .. وكذلك في تجاهل التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ومكافأتها باتفاق متعثر حتى الآن بين إيران والدول (5+1) حول «الكيماوي» الإيراني.. أقول إذا كانت كل هذه الأحداث والتطورات والتوجهات التي غيرت من ميزان القوى .. ومحاور التحالف في المنطقة بشكل أو بآخر لا تستدعي التعجيل بإتمام مشروع الاتحاد الآن فمتى يمكن أن تتحقق الفكرة إذن؟. الانتظار دون أجندة: •• هذا السؤال المحوري .. تثيره الإشارة إلى التوجه المعلن للمجلس إلى استمرار المشاورات والدراسات .. وأخشى ما أخشاه أن يكون تلكؤنا في اتخاذ خطوة هامة وضرورية من هذا النوع الآن .. بمثابة فرصة جديدة أمام فرض واقع جديد أكثر سوءا على دولنا وشعوبنا .. يصبح معها تنفيذ الفكرة مستحيلا بعد ذلك تماما .. •• صحيح أن توجه الملوك والأمراء قادة دول المجلس للدعوة إلى مزيد من المشاورات ليس أمرا سيئا .. إلا أن هذا التوجه يتطلب وضع أجندة زمنية وسقف نهائي لإقرار المشروع يأخذ في الاعتبار الأحداث والتطورات الراهنة والمستقبلية .. ومنها ما يتردد من تسريبات خطيرة تصدر هذه الأيام عن بعض العواصم الكبرى .. وتتحدث عن مخطط جديد يشمل منطقة الخليج العربي بذريعة أن الأوضاع فيه باتت مهيأة لإحداث تغييرات جوهرية في هيكلها السياسي والديمغرافي وفقا لحسابات تلك الدول وليس طبقا لاحتياجات شعوبنا .. وإرادتها المستقلة.. كفاءة المجلس السياسي ضعيفة (3) إن الحديث عن اختلافات في الموقف السياسي داخل مجموعة دول المجلس حول الوضع في سوريا .. ومصر .. مع كل من إيرانوروسيا .. هذا الحديث لم يأت من فراغ وإنما هو حقيقة ملموسة لا يجب نكرانها وبالتالي فإنه لابد من تضييق الفجوة بين الدول الست حول هذه المسائل على وجه التحديد بعد أن ألقى الخلاف بظلاله على مشروع الاتحاد بشكل أو بآخر .. وذلك يؤكد مدى الحاجة إلى اتصالات مكثفة بين بعضنا البعض .. وإلى عمل كبير من الأمانة العامة لإعلاء الشأن السياسي في الجهود المبذولة للتقريب بين دول المجلس .. بعد أن استأثر الشأن الاقتصادي في الفترة السابقة بكل الجهد والعمل وهو شأن مهم .. ولكن اتساع الفجوة بين دولنا في القرار السياسي سيطال حتى المجال الاقتصادي ويعطله أيضا .. وهذا يفرض رفع كفاءة الأداء السياسي داخل الأمانة وطرح أفكار تساعد على تحقيق التوافق إن لم يكن الاتفاق حول مواجهة النظام السوري.. وعدم التهاون مع شركائه .. وزيادة الضغط عليها قبل انعقاد مؤتمر جنيف/2 الذي لم يظهر بعد ما إذا كانت دول الخليج ستشارك فيه أم لا؟ لأن الطرف السوري وأعوانه يسعون إلى إقصائنا عن طاولته .. ويساوموننا للحصول على مواقف مؤيدة لما يريدون فرضه من حلول لن تكون بكل تأكيد في مصلحة الشعب السوري .. ومن يقفون معه ضد ذلك النظام المتجبر وفقا لحسابات تلك القوى المتداخلة في الشأن السوري .. وهي حسابات لا تبدو مطمئنة حتى الآن .. •• أما الخلافات السياسية بيننا حول مشروع الاتحاد نفسه فإن الكثير من الغموض يحيط بمواقف بعض دولنا .. والخشية هي أن تستفيد بعض الأطراف الإقليمية من هذا التلكؤ أو الرفض نحو إقرار الصيغة كما أعربت عن ذلك عمان مثلا وربما يكون ذلك من باب الاستباق لمخطط إعادة رسم خارطة «جيو سياسية للمنطقة». ولعب إيران فيها دورا بارزا .. وبناء تحالفات جديدة .. ستكون بكل تأكيد ضد أوضاع دولنا الراهنة .. وأنها لن تكون في صالح مستقبل منطقتنا ومكاسب شعوبنا .. لأنها ستدخلنا في حالة تجاوب البعض معهم حولها في نفس الدوامة التي تمر بها دول عربية أخرى .. لا .. لتبني حسابات الآخرين •• وإذا نحن كدول لم ندرك هذه الحقيقة وسمحنا للانقسام بين دولنا أن يذهب أبعد .. فإن ذلك كفيل بتسريع تنفيذ مخطط سحب الفوضى الخلاقة الذي تشهده منطقتنا العربية على دول الخليج العربية الست .. في مرحلة لاحقة أيضا .. وهذا بكل تأكيد لن يخدم دولنا وشعوبنا بأي حال من الأحوال .. ولن يستثني دولة من الدول .. لأن تركيبة الأوطان السكانية وثقافتنا .. وبعض الأوضاع الاجتماعية التي نحياها ستجعل منطقتنا الخليجية عرضة لأوضاع أسوأ مما عاشته وتعيشه بعض الدول العربية الأخرى .. لا سمح الله .. •• وإذا كانت هذه حسابات الدول الأخرى مبنية على هذا الأساس .. فلماذا نشاركهم فيها ونعرض أنفسنا ومنطقتنا .. لزلازل من نوع أو آخر .. ونهدم بذلك أوطاننا فوق رؤوسنا .. •• نسأل هذا السؤال .. بعد أن لاحظنا خلال انعقاد القمة أن هناك رغبة لدى دولتين أو ثلاث نحو استحسان التقارب مع إيران .. •• ونحن وإن كنا مع هذا التقارب، إلا أنه ولمصلحة الخليج .. ولمصلحة دول وشعوب مجلس التعاون لابد وأن يكون في إطار تفاهمات مشتركة.. وحسابات دقيقة .. وتحليلات موضوعية وغير عاطفية .. أو لا ترتهن لمطالب أو نصائح خارجية غير مطمئنة .. وهذا التنسيق المشترك لم يحدث حتى الآن.. لأن بعض الأشقاء الذين بادروا بزيارة طهران بعد مجيء رئيس الجمهورية الحالي (حسن روحاني) أخذوا كما يبدو بالتطمينات التي استمعوا إليها ... وهي تطمينات نرجو أن تكون صحيحة .. وتعكس رغبة حقيقية في معالجة أسباب اتساع الفجوة بين إيران وجيرانها الخليجيين.. والعرب كذلك .. •• ولا أعتقد أن المملكة ضد أي تقارب مع إيران .. بل على العكس فإن المملكة كثيرا ما أعلنت عن ترحيبها بأي تقارب حقيقي .. بل وتعاون شامل وموسع معها .. ولكن بعد أن تلمس ترجمة حقيقية لتلك النوايا إلى خطوات عملية ملموسة على الأرض. •• وإذا كان صحيحا ما تردد بأن إيران راغبة في إعادة الجزر الثلاث إلى دولة الإمارات الشقيقة .. وأنها مستعدة لإيقاف اللعب بالورقة الطائفية في الخليج .. ولبنان والعراق واليمن ومصر .. وغيرها .. وأنها مقتنعة بضرورة إعادة بناء الثقة مع الجميع بالعمل والتعاون البناء على التصدي المشترك للأخطار .. وأنها صادقة في إيقاف برنامجها النووي للاستخدامات غير السلمية .. إذا كان صحيحا كل هذا فإن الرياض ستكون في مقدمة من يرحب بإيران وشراكة إيران .. والتعاون مع إيران على صيانة الاستقرار في المنطقة بعيدا عن الأطماع أو الصفقات أو التحالفات مع هذا الطرف أو ذاك .. الخوف من التفكك •• وإذا كان هناك ما يؤخذ علينا نحن دول مجلس التعاون فإنه غياب الموقف الموحد وظهور اجتهادات متعجلة .. أو غير مدروسة أو مأخوذة بالوعود الإيرانية .. نخشى أن تقود مجموعتنا إلى التفكك .. بدلا من السعي إلى المزيد من الترابط بين دولنا وشعوبنا .. (4) إن قادة المجلس قد أكدوا على تعزيز العمل الجماعي وحشد الطاقات المشتركة لمواجهة الأخطار والتحديات التي تهدد أمن واستقرار دول المجلس وتحصينها من تداعياتها لكن هذا الكلام الجميل اختزل في «عزم دول المجلس على تعزيز مسيرة التعاون في المجال الاقتصادي وتحقيق التكامل الاقتصادي وتذليل العقبات التي تعترض السوق الخليجية المشتركة واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي .. والاتحاد النقدي وصولا إلى العملة الخليجية الموحدة» وذلك وإن كان أمرا جيدا ومفيدا .. ومطلوبا وبقوة إلا أنه لا يفسر ولا يبرر رهن مشروع الاتحاد الخليجي للمستقبل (المفتوح) وعدم وضع سقف زمني واضح ومحدد لإنجاز هذه الخطوة كما سبق أن قلنا .. وقطع الطريق على المشاريع المشبوهة التي تدبر للمنطقة .. •• ومن الواضح أن العقبات التي تعترض تلك البرامج الاقتصادية تظل قابلة للحل أو التجاوز ومقدور على التوصل إلى تفاهمات جادة بشأنها وتقليص الفجوة بين دولنا وشعوبنا .. وبالتالي فإنه لا مبرر على الإطلاق لاعتبارها شماعة لصرف النظر عن مشروع الاتحاد الذي تتطلع إليه شعوبنا .. وتفرضه مصلحة دولنا .. واستقرار منطقتنا .. •• وكان الأولى .. أن نناقش بشفافية مع «عمان» أو أي دولة لها ملاحظات على مشروع الاتحاد مبررات كل منها لمعارضة المشروع .. حتى نصل إلى قناعات مشتركة .. إما بالتبني الكامل لما تراه .. أو لاتخاذ قرار ببدء تنفيذ المشروع بين الدول التي تؤيد قيامه .. ومواصلة الجهود المخلصة والمكثفة وإزالة أسباب امتناع الدولة أو الدولتين اللتين لا تريان الوقت مناسبا للأخذ به الآن .. أهمية عنصر الوقت •• لكل ذلك .. فإن تعليق مشروع قيام الاتحاد .. وترك الباب مفتوحا لمزيد من الضغوط الخارجية .. هو ما .. لا يجب استمراره .. إلى ما لا نهاية .. لأن الوضع الإقليمي والدولي لا يبدو في صالح الانتظار الطويل أو التأجيل المفتوح .. وتلك مسؤولية كافة الأطراف الستة مجتمعة .. لأن عنصر الوقت مهم للغاية .. ولأن السماح بظهور خلافات من هذا النوع أو ذاك .. ودون التعاطي معها بجدية وحسم .. قد يؤدي إلى تعطيل مسيرة التعاون ككل .. وربما يؤدي إلى تفكيك صيغة مجلس التعاون القائمة الآن .. ويسمح بعد ذلك بتمرير مشروع الخارطة الدولية الجديدة في منطقتنا في ظل هذه الخلافات .. وجعلها أمرا واقعا يصعب تجنب آثاره وسلبياته في وقت متأخر .. وفي ظروف ينعدم فيها الحد الأدنى من التعاون والتفاهم والتكامل الذي قام عليه المجلس قبل (34) عاما .. السؤال الهام •• لكن السؤال الذي لم يجب عليه «إعلان الكويت» أو قرارات القمة هو: •• لمصلحة من يتم الاختلاف على قرار مشروع مصيري كهذا .. لاسيما أن فكرة الاتحاد أو الوحدة هي مطلب شعبي مبدئي حتى وإن تخوفت بعض الأنظمة منه .. أو تحسست من تحقيقه حفاظا على خصوصية كل دولة .. بالرغم من أن الاتحاد لا يلغي هذه الخصوصية بقدر ما يوظفها لخدمة مصالح المجموع المشتركة .. تماما كما هو الوضع في دولة الإمارات العربية المتحدة .. أو اتحاد دول أوروبا الغربية .. وغيرها .. في عصر يحترم التكتلات الدولية ويعلي شأنها ويحقق من ورائها الكثير من المكاسب .. ويقوي شأن وتأثير المجموعات الدولية الأخرى ويضاعف فرص حصولها على مكاسب لا تستطيع الدول بمفردها أن تصل إليها؟. •• هذا السؤال نتطلع إلى الإجابة عليه من قبل دول مجلس التعاون كافة قبل فوات الأوان .. وإلا فإن دولنا المستقرة قد تتعرض بسبب غموض الموقف لأخطار حقيقية أخشى أن نتأخر في اتخاذ القرار المناسب للتصدي لها..