المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملكة و مصر: شراكة مصيرية.. ترسيخاً لقواعد السلم والتنمية في المنطقة بمواجهة الأخطار
نشر في عكاظ يوم 20 - 06 - 2014

سجلت المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية أكبر انتصار على «الفوضى» من خلال وقفة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز القوية إلى جانب الشعب المصري الذي عبر عن إرادته في الثلاثين من شهر يونيو 2013م.. وحال هذا الموقف دون تعرض مصر لحرب أهلية كانت وشيكة بعد أن وصلت الأوضاع فيها إلى درجة الاحتقان بين السلطة والشعب تميهدا لإدخال البلاد في فوضى عارمة لها أخطارها المدمرة على المنطقة بأسرها..
ومن المتوقع أن تدخل العلاقات الثنائية بين البلدين مرحلة الشراكة الكاملة بقيام شكل أوسع من التعاون.. سواء بالنسبة لتوحيد السياسات أو بتحقيق نقلة واسعة في إطار التكامل العلمي والاقتصادي أو بالنسبة للتطبيق الكامل على المستويين الأمني والعسكري. وذلك بوضع أساس قوي لانضمام دول عربية وأفريقية أخرى إلى منظومة إقليمية تجمعها أهداف حيوية موحدة وذات أبعاد استراتيجية بعيدة المدى..
لكننا وقبل الدخول في المزيد من التفاصيل للخطوط العريضة لهذه الشراكة الإقليمية الفعالة.. فإن علينا أن نشير إلى أمرين هامين هما:
أولا: أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلص منذ
وقت مبكر إلى قراءة موضوعية عميقة للأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة العربية ويشترك فيها الإقليم. وأن مؤدى هذه القراءة يقول: إن ما جرى ويجري ما هو إلا مقدمات لما هو أخطر وأبعد من تطورات محتملة هدفها النهائي هو هدم ما هو قائم وإعادة البناء من جديد وبمواصفات مختلفة.. بعيدا عن استحقاقات ومصالح دول وشعوب المنطقة وحتى بعيدا عن خياراتها الطبيعية أيضا.
ثانيا: أن الواقع العربي المتسم بالتفكك وبالمشاحنات
قد بلغ ذروته وأن التغيير المطلوب أصبح من وجهة نظر القوى الراعية لهذا المخطط ممكنا ولكن بأدوات محلية يتم التمهيد لها بسلسلة من الأعمال الفوضوية في الداخل العربي لتجنب الظهور في المشهد بصورة مباشرة والاكتفاء بتقديم الدعم والمؤازرة لأدوات التغيير المحلية لاستكمال الخطة وإتمام عملية الانهيار بالكامل بالحد الأدنى من الخسائر التي تتحملها قوى التغيير الخارجية وبصرف النظر عن الخسائر البشرية.. أو المادية التي تتكبدها الدول العربية خلال عملية توسيع دوائر التخريب والتدمير وإشاعة حالة عدم الاستقرار في مختلف أرجاء المنطقة وهز كيانات الدول الكبيرة فيها بصورة أكثر تحديدا..
وعندما جاء «الإخوان المسلمون» إلى الحكم في جمهورية مصر العربية.. بدأت تتكشف ملامح هذه الخطة باستهداف أكبر دولة عربية بالتغيير المرتقب انطلاقا من قاعدة هز مبدأ المواطنة وتفكيك أواصر المجتمع المصري.. بدعوى تطبيق منهجية «عالمية التفكير» للخروج من الدوائر الوطنية والقومية الضيقة والمحدودة التي عرفتها مصر منذ عام 1952م وحتى وصولهم إلى السلطة..
وكان من الواضح أن خطة الإبقاء على المنطقة في حالة غليان سوف تستمر بل وتتزايد لتشمل كافة دول الإقليم بعد الفراغ من ترتيب الأوضاع في مصر العربية (أولا) وفق مخططه الشامل في المنطقة..
لكن إرادة الله (أولا) ثم وعي ويقظة الشعب المصري الشقيق (ثانيا) حالت دون التمكين لهذا المخطط «الأممي» بالاستمرار والتوسع فكانت وقفة هذا الشعب في 30 يونيو 2013م.. بمثابة نقطة تحول في المشهد كله.. وبالذات بعد الإعلان عن «خارطة المستقبل» في 3/7/2013م.. وتصدي رجالات مصر بدعم القوات المسلحة المصرية للمؤامرة الكبيرة.. واحتواء الموقف قبل الانفجار الكبير.
تهنئة ودعم مبكر للغاية
عندها كانت المملكة العربية السعودية.. وانطلاقا من اهتمامها الكبير بأوضاع الشقيقة الكبرى سباقة إلى اتخاذ زمام المبادرة.. فكان خادم الحرمين الشريفين أول من وجه برقية تهنئة عميقة الدلالة إلى المستشار عدلي منصور رئيس جمهورية مصر العربية آنذاك فور أدائه القسم الدستوري في 4 يوليو 2013م قال فيها:
فخامة المستشار عدلي منصور رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، باسم شعب المملكة العربية السعودية وبالأصالة عن نفسي، نهنئكم بتولي قيادة مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، وإننا إذ نفعل ذلك لندعو الله أن يعينكم على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقكم لتحقيق آمال شعبنا الشقيق في جمهورية مصر العربية، وفي ذات الوقت نشد على أيدي رجال القوات المسلحة كافة ممثلة في شخص الفريق أول عبدالفتاح السيسي، الذين أخرجوا مصر في هذه المرحلة من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته، لكنها الحكمة والتعقل التي حفظت لكل الأطراف حقها في العملية السياسية.
هذا وتقبلوا تحياتنا، ولأشقائنا في مصر وشعبها الكريم فائق احترامنا.
حفظ الله مصر واستقرارها وأمنها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والبرقية فوق أنها تحمل تهنئة صادقة للرئيس وللشعب المصري.. فإنها انطوت على الدلالات التالية:
(1) الإشادة بدور رجال القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق أول (آنذاك) عبدالفتاح السيسي لإخراج مصر من نفق مظلم.
(2) الإشارة إلى أن هذا التحول في مصر قد أوقف تداعيات كبيرة كادت تلحق بالأمة وبالمنطقة على حد سواء..
(3) الالتزام القوي بالوقوف إلى جانب مصر تحقيقا للأمن والاستقرار الشاملين بها.
أعقب ذلك تواصل مباشر مع القيادة المصرية في أكثر من صورة بهدف ترجمة هذا التعاون إلى برامج عمل من شأنها أن تعين مصر على استكمال خطتها على أكمل وجه.
موقف حازم وحاسم
وفي السادس عشر من شهر أغسطس من العام نفسه 2013م الموافق للتاسع من شهر شوال 1434ه.. صرح خادم الحرمين الشريفين معلقا على الأحداث الجارية في مصر.. ومؤكدا دعم المملكة المطلق للشعب والقيادة بمواجهة تلك الأحداث قائلا:
لقد تابعنا ببالغ الأسى ما يجري في وطننا الثاني جمهورية مصر العربية الشقيقة، من أحداث تسر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر، وشعبها، وتؤلم في ذات الوقت كل محب حريص على ثبات وحدة الصف المصري الذي يتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة إن شاء الله لضرب وحدته واستقراره، من قبل كل جاهل أو غافل أو متعمد عما يحيكه الأعداء.
وإنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية الشرفاء من العلماء، وأهل الفكر والوعي، والعقل، والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد، وقلب واحد، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية، والعربية، مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء، وأن لا يقفوا صامتين، غير آبهين لما يحدث (فالساكت عن الحق شيطان أخرس).
وأضاف رعاه الله قائلا: ليعلم العالم أجمع، بأن المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، في عزمها وقوتها إن شاء الله وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر.
وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية بأنهم بذلك يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته، آملا منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان فمصر الإسلام، والعروبة، والتاريخ المجيد، لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك، وإنها قادرة بحول الله وقوته على العبور إلى بر الأمان. يومها سيدرك هؤلاء بأنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم.
هذا وبالله التوفيق وعليه توكلنا وبه ننيب.
وبهذا الموقف الجديد والقوي تجسيدا للرؤية السعودية لما يجري على أرض الكنانة واستقراء لما قد يحدث.. واستباقا له.. فإن المملكة أكدت من جديد على المضامين التالية في أقوى موقف سياسي كانت تحتاج إليه مصر.. وتنتظره شعوب المنطقة من دولة كبيرة وشقيقة لمصر:
(1) التنبيه إلى أن ما يحدث في البلد الشقيق يهدف إلى ضرب وحدته واستقراره من قبل أعداء مصر في الداخل والخارج.
(2) دعوة رجالات مصر.. وكذلك الأمتين العربية والإسلامية وبصورة أكثر تحديدا، العلماء والمفكرين والإعلاميين للوقوف صفا واحدا بمواجهة كل من يحاول زعزعة أمن واستقرار مصر.
(3) التحذير من صمت البعض تجاه تلك الأحداث ودعوتهم إلى التضامن مع مصر.. ومع كل المخلصين لها من أبناء هذه الأمة.
(4) تأكيد موقف المملكة الداعم بقوة للشقيقة مصر ضد ثلاثي الإرهاب والضلال والفتنة.
(5) التأكيد على حق مصر الشرعي والقانوني في ردع كل قوى التخريب والتدمير.. أو المضلل للبسطاء من أبناء شعبها بهدف إثارة الفتنة بينهم ونشر الإرهاب فيها.
(6) مطالبة الأطراف التي تدعي محاربة الإرهاب بالعودة إلى رشدهم وبألا يتدخلوا في شؤون مصر الداخلية ويكفوا الفتنة عنها.
(7) التنبؤ بأن مصر قادرة بإذن الله تعالى على العبور إلى بر الأمان. وأن من أخطأ بحقها سيدرك أن عليه أن يغير موقفه.. ويسلم باختيارات شعبها.. ويدعم قيادتها.
وما حدث الآن هو: أن مصر التي صمدت أمام تلك المؤامرات قد استطاعت أن تقطع شوطا بعيدا في مسيرتها ليس فقط نحو المزيد من الأمن والاستقرار فيها وإنما نحو تأمين المنطقة أيضا بالتعاون مع هذا الموقف السعودي القوي والحازم والجاد.
فقد نجحت مصر في المرحلة الانتقالية التي قادها المستشار عدلي منصور ومن ورائه الجيش والشعب المصري وحكومتان مصريتان ترأسهما كل من الدكتور حازم الببلاوي والدكتور إبراهيم محلب.. وبمتابعة فائقة من قائد الجيش المصري آنذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسي.. نجحت في إنجاز انتخابات نظيفة لإقرار الدستور.. وفي السيطرة إلى حد كبير على الحالة الأمنية رغم الأخطار التي واجهتها البلاد سواء من قبل الإخوان المسلمين أو من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى..
كما نجحت أيضا في تحقيق البند الثاني من «خطة المستقبل» بإنجاز أضخم مسيرة انتخابية بنجاح كبير تحت إشراف دولي مباشر.. ليأتي إلى قمة السلطة الرجل القوي الذي اختاره المصريون لإدارة شؤون بلادهم في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة..
وجاء استلام الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطة في بلاده بتاريخ 8/6/2014م ليكلل جهودا ضخمة بذلها رجالات مصر.. ووجدت من المملكة العربية السعودية كل الدعم والمؤازرة..
خارطة حب وتمنيات بالمستقبل الأجمل
عندها جاءت رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي بمثابة حديث من القلب للقلب.. تعبيرا عن الفرحة بنحاحات مصر في تجاوز أكثر الأخطار التي كانت محدقة بها.. وبالأمل في أن تتواصل خطوات العمل الجادة في عهده في المرحلة القادمة.. وفيها قال (يحفظه الله):
في يوم تاريخي، ومرحلة جديدة من مسيرة مصر الإسلام والعروبة، يسرنا أن نهنئكم بالثقة الكريمة لشعب أودعكم آماله، وطموحاته، وأحلامه، من أجل غد أفضل.
إنها الثقة التي تتكاتف فيها القلوب قبل الأكف، بين كل شرائح المجتمع المصري، بكل فئاته، وتوجهاته ودياناته، لمواجهة مرحلة استثنائية من تاريخ مصر الحديث.
فخامة الرئيس:
اسمحوا لأخيكم المحب لوطنه الثاني، الحريص على وحدة شعبه واستقرار أمنه، أن يعبر لكم عن مشاعره بكل شفافية تأنف الزيف، ليقول لكم: إن شعب جمهورية مصر الشقيق الذي عانى في الفترة الماضية من فوضى، أسماها البعض ممن قصر بصره على استشراف المستقبل ب(الفوضى الخلاقة) التي لا تعدو في حقيقة أمرها، إلا أن تكون فوضى الضياع، والمصير الغامض، الذي استهدف ويستهدف مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها.
هذه الفوضى الدخيلة علينا، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، قد حان وقت قطافها دون هوادة، وخلاف ذلك لا كرامة ولا عزة لأي دولة وأمة عاجزة عن كبح جماح الخارجين على وحدة الصف والجماعة، ناسين أو متناسين قول الحق جل جلاله (الفتنة أشد من القتل). فتوكل على الله في سرك وعلانيتك، إيمانا بأنه لا ناصر لك غيره ولا معين، واستعن بعد ذلك برجالات مصر الأكفاء، وليكن مقياس ذلك القوي الأمين انصياعا لقول الحق تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين).
إن المرحلة القادمة محملة بعظم المسؤولية التي تستدعي بالضرورة من كل رجل وامرأة من أشقائنا شعب مصر، أن يكونوا روحا واحدة، وأن يكونوا على قدر من المسؤولية والوعي واليقظة وأن يتحلوا بالصبر، وأن يتحملوا في المرحلة القادمة كل الصعاب والعثرات، ليكونوا عونا لرئيسهم بعد الله، فمن يسبق يأسه صبره، سيجلس على قارعة الطريق يلوك الحسرة والندم، وحاشا لله أن يكون ذلك. فوعي شعب مصر قادر بإذن الله على العبور بها فوق كل العوائق والصعاب، ليتحقق ما نصبوا إليه جميعا من أمن هو عماد الاستقرار لشعب مصر الشقيق بعد الله.
فخامة الأخ الرئيس:
إننا نعلم بأنكم مقبلون على مرحلة لا يحسدكم عليها كل محب مخلص، وفي هذا المجال اسمحوا لي بأن أذكر نفسي وأخي الكريم بأن ميزان الحكم لا يستقيم إلا بضرب هامة الباطل بسيف عماده العدل، وصلابته الحق، لا ترجح فيه كفة الظلم متى ما استقام واستقر بعروة الله الوثقى، ولنحذر جميعا بطانة السوء، فإنها تجمل وجه الظلم القبيح، غير آبهة إلا بمصالحها الخاصة.. هؤلاء هم أعوان الشيطان وجنده في الأرض.
أخي الكريم:
ليكن صدرك رحبا فسيحا لتقبل الرأي الآخر مهما كان توجهه، وفق حوار وطني مع كل فئة لم تلوث يدها بسفك دماء الأبرياء، وترهيب الآمنين، فالحوار متى ما التقى على هدف واحد نبيل، وحسنت فيه النوايا فإن النفس لا تأنف منه ولا تكبر عليه.
إننا من مكاننا هذا، نقول لكل الأشقاء والأصدقاء في هذا العالم إن مصر العروبة والإسلام أحوج ما تكون إلينا في يومها هذا من أمسها، لتتمكن من الخروج من نفق المجهول إلى واقع يشد من أزرها، وقوتها، وصلابتها في كل المجالات. ولذلك فإني أدعوكم جميعا إلى مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين، لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية، وليعي كل منا أن من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر بفضل من الله فإنه لا مكان له غدا بيننا إذا ما ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات. مناشدا في ذات الوقت كل الأشقاء والأصدقاء في الابتعاد والنأي بأنفسهم عن شؤون مصر الداخلية بأي شكل من الأشكال، فالمساس بمصر، يعد مساسا بالإسلام والعروبة، وهو في ذات الوقت مساس بالمملكة العربية السعودية، وهو مبدأ لا نقبل المساومة عليه، أو النقاش حوله تحت أي ظرف كان. نقول ذلك توكلا على الله وإيمانا راسخا ثابتا بأن من ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه وإنا إن شاء الله لفاعلون.
هذا ونسأل الله أن يحفظ مصر الشقيقة من الفتن والشقاق، وأن يمن عليها بالأمن والاستقرار والازدهار، وأن يردع كيد كل حاقد كاره يريد بها وبأهلها السوء.
هذا وبالله استعنا، وعليه توكلنا، وإليه ننيب.
وبهذا الخطاب «الأخوي» «والصادق».. أجمل الملك عبدالله الموقف وبلوره في التالي:
(1) فضح الأهداف الخطيرة من وراء ما أسموه ب«الفوضى الخلاقة» التي تشهدها المنطقة العربية ووصفها الدقيق ب«فوضى الضياع والمصير الغامض» استهدافا لمقدرات الشعوب وأمن بلدانهم واستقرارها.. والتأكيد في نفس الوقت على أن الوقت قد حان لعودة الاستقرار الشامل إلى مصر.. بل وإلى المنطقة كلها.
(2) تصوير المرحلة الجديدة التي دخلتها مصر بأنها مرحلة محملة بعظم المسؤولية وتتطلب تضافر جهود أبناء الشعب المصري مع قيادتهم الجديدة. والتنبيه إلى الصعوبات الكبيرة التي ستتحملها هذه القيادة ودعوة الشعب المصري الشقيق إلى الصبر متدرعين بالوعي واليقظة تحقيقا لما نتطلع إليه جميعا من غد أفضل لهم ولبلادهم ولأمتهم أيضا.
(3) التعبير عن التمنيات الأخوية الصادقة للرئيس القادر بحكمته وبعد نظره على تحقيق آمال الشعب المصري وتطلعاته إلى المستقبل الأجمل في ظل قيادته «الملهمة» بإعادة بناء الدولة المصرية القوية على أسس من العدل واتقاء بطانة السوء التي قد يتعرض لها الحكام وتقبل الرأي الآخر عبر حوار وطني يضم كل فئات الشعب المصري ممن وضعوا مصر في قلوبهم وفوق هاماتهم ولم يشاركوا في سفك دماء المصريين الزكية أو يرهبوا الآمنين فيها.. وهي نفس المضامين القوية التي وردت في خطاب الرئيس عند تسلم مقاليد الحكم في بلاده وبعد أداء القسم مباشرة.. وأكد عليها مجددا في لقائه منذ يومين أمام أعضاء الوزارة الجديدة لأول حكومة تتشكل في عهده.. وذلك ما يؤكد تطابق رؤية القيادتين واتفاق توجهات البلدين وسلامة تحليلهما ونظرتهما نحو طبيعة المرحلة القادمة التي ستحفظ لمصر.. ولأمتها العربية والإسلامية الأمن والاستقرار والنماء بحوله تعالى.
(4) ترجمة الأقوال إلى أفعال والتمنيات إلى خطوات جادة وعملية بدعوة الأشقاء والأصدقاء في هذا العالم إلى مؤتمر للمانحين لمساعدتها في أزمتها الاقتصادية.. مع التحذير لكل من يتخاذل وتحديدا من أبناء هذه الأمة عن أداء هذا الواجب وتقديم العون الكافي لمصر وتجنب العزلة التي ستفرض على تلك الدول إن هي تخلت عن مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية تجاه مصر الشقيقة في هذه الظروف الدقيقة.
(5) التحذير القوي والواضح بضرورة ابتعاد كل الأشقاء والأصدقاء عن التدخل في شؤون مصر الداخلية، مع التأكيد الكامل على أن المساس بمصر يعد مساسا بالإسلام والعروبة وتحديدا بالمملكة العربية السعودية.. مؤكدا بذلك على مصيرية العلاقة بين المملكة العربية السعودية ومصر العربية باعتبارهما محورين رئيسيين في العمل المشترك والبناء من أجل المستقبل ومواجهة الأخطار والتحديات معا وتقاسمها بمسؤولية كاملة.
مستقبل البلدين ومستقبل المنطقة
هذا الخطاب المباشر.. والمواكب للحالة المصرية.. والمعبر عن موقف سعودي قوي ومباشر منذ اللحظة الأولى وحتى اليوم ساهم وسوف يساهم في تحقيق نموذج جديد ومختلف من العلاقات المصيرية بين بلدين وشعبين شقيقين أدركت قيادتهما منذ وقت مبكر أن عليهما أن يعملا معا.. لإعادة التوازن المفقود إلى المنطقة بشتى الوسائل..
والمملكة العربية السعودية التي تعودت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن تحدد مواقفها بوضوح وبقوة من الأحداث والتطورات التي تمس إخوتها وأشقاءها ومنطقتها.. اختارت طريق المواجهة للمشكلات ولاسيما تلك التي تؤثر على مصائر دولنا وشعوبنا. وترجمة لهذه السياسة.. فقد حرصت على أن تعزز وقفتها إلى جانب شقيقتها الكبرى ووقوفها إلى جانب قيادتها الجديدة بالعمل على (3) مسارات:
المسار الأول: وتمثل في الدعم السياسي وفي الخطاب
الإعلامي القوي بالوقوف مع الشعب المصري وقيادته (أولا) بمواجهة الأخطار والتحديات، و(ثانيا) بالتحرك السياسي القوي باتجاه الأشقاء والأصدقاء لشرح وتبيان الوضع في مصر على حقيقته ودعوة الجميع إلى التعامل بصورة إيجابية مع اختيارات الشعب المصري.. وهي اختيارات مستحقة سواء في تحديد طبيعة نظامه الجديد أو قيادته الواعية لكل المخاطر.. وقد أثمرت هذه الجهود وعلى كل الساحات عن تقدم ملموس في المواقف والآراء.. تعرفها مصر ويلمسها الجميع بصورة متنامية يوما بعد يوم.
المسار الثاني: وهو مسار اقتصادي.. هدفه الالتفاف
حول مصر ودعم خططها وبرامجها لمعالجة الوضع النقدي والاقتصادي الصعب الذي تعرضت له البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية وبصورة أكثر تحديدا منذ تسلم الإخوان المسلمين مسؤولية الحكم وما ترتب على ذلك من حالة عدم استقرار أمنية وتراجع حاد للاقتصاد المصري..
وقد جاء تحرك المملكة في هذا المسار على أكثر من صورة.. وفي مقدمتها توفير الدعم الكافي للشقيقة الكبرى سواء عبر المساعدات المالية أو العينية أو الإمدادات متعددة الأغراض.. تعويضا لأوجه النقص الحاد في السيولة وتلبية الاحتياجات الضرورية.. أو في العمل بين الأجهزة المختصة في البلدين لتبني مجموعة من الخطط والبرامج والمشاريع وتمويلها بما يعود بالفائدة على الشعب المصري.. وتحسين مستوى معيشته ودخله أو من خلال التعاون والتنسيق بيننا وبين دول الخليج العربي التي لم تتأخر في الوقوف إلى جانب شقيقتنا الكبرى ودعم مسيرتها المباركة نحو الاستقرار والتننمية.
المسار الثالث: وكان بتوجيه الدعوة للدول المانحة
إلى مؤتمر يتم الإعداد له بقوة بالتعاون بين المملكة ومصر.. ويتوقع له أن يجري في فترة قصيرة قادمة.. وصولا إلى دعم منظم.. وقوي تشارك فيه الهيئات والمنظمات الدولية المالية والاقتصادية جنبا إلى جنب الدول التي يتم التواصل معها الآن لحشد أكبر جهد في هذا الاتجاه.. بهدف مضاعفة العوائد المرتقب ضخها في الاقتصاد المصري عقب هذا المؤتمر مباشرة..
شراكة فعالة
هذه المسارات الثلاثة.. تهدف إلى:
(1) تحقيق نقلة نوعية داخل مصر لمواجهة الصعاب التي تمر بها في الوقت الراهن.. والحد من تأثيراتها على المجتمع المصري.
(2) مساعدة الدولة المصرية الجديدة على تعزيز قدراتها الأمنية والدفاعية وتحديث مؤسساتها الإنتاجية وتحقيق معدلات تنموية متدرجة من شأنها أن تحقق الكثير من آمال وتطلعات الشعب المصري وتلبية احتياجاته.
(3) إعادة دمج مصر في المنطقة والعالم.. بدعم جهودها الكبيرة في هذا الاتجاه لاسترداد مكانتها في الإقليم وفي المؤسسات الدولية.
(4) تبني خطط وبرامج القيادة المصرية الداخلية.. والعمل على وضعها موضع التنفيذ بتقديم مختلف أنواع الدعم وتوسيع نطاق السياحة إلى مصر.. والاستثمار فيها وتحقيق معدلات مرتفعة من التنمية بمحافظاتها في ضوء عملية إعادة التخطيط التي شرع فيها الرئيس بصورة عملية.
ولا أستبعد أن تشهد الفترة القريبة القادمة سلسلة من الخطوات العملية على كافة الأصعدة.. مثل:
(1) تشكيل فرق عمل مشتركة بين البلدين على المستويات الأمنية والدفاعية.. والاقتصادية والاجتماعية.. وكذلك السياسية.. تبنيا لاستراتيجية البلدين في ترجمة الشراكة الكاملة وتفعيلها في فترة زمنية قصيرة.
(2) وضع خطة عمل مشتركة لإنجاح مؤتمر المانحين الذين دعا خادم الحرمين الشريفين إليه الشهر الماضي والتحضير الجيد له.. وبدء التحرك من أجل تحقيق أهدافه المرجوة وإنجاحه.
(3) تقديم دعم جديد.. وتسريع خطوات العمل في برامج الدعم المعلنة في السابق.. وذلك بهدف معالجة المشكلات والاختناقات الراهنة.. واستيعاب توجهات القيادة في المرحلة القادمة.
(4) تطوير أوجه التعاون بين القطاع الخاص في البلدين بتحديث آليات العمل القائمة.. ووضع برامج زمنية محددة وتنفيذ مشاريع استثمارية جديدة في مختلف أنحاء مصر..
(5) تدارس إمكانية قيام محور عربي قوي ومتماسك يجمع بين مصر وعدد من الدول الخليجية والعربية الشقيقة.. لتحقيق هدفين رئيسيين هما: دعم الدولة المصرية القوية.. وإعادة اللحمة العربية إلى ما يجب أن تكون عليه.. في مرحلة مختلفة تتطلب مراجعة أوضاع الجامعة العربية وتطوير مؤسساتها وتفعيلها.. وبما يساعد على استرداد كافة الدول العربية لكامل عافيتها.
(6) عقد لقاءات هامة ومفصلية بين القيادتين لمباركة هذه التوجهات والإعلان عن استراتيجية مشتركة بين البلدين هدفها دعم كل الجهود المخلصة لتمكين الدولة المصرية القوية من تحقيق طموحات الشعب المصري والخروج بالإقليم من أزماته وتوتراته إلى بر الأمان..
وسوف تكشف لنا الفترة القريبة القادمة.. مدى أهمية تصدي البلدين لمعالجة مشكلات المنطقة لما فيه خير ومصلحة الجميع وإعادة التوازن فيها وتأمينها ضد الأخطار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.