مما لا يخفى على أي متابع للإعلام العربي ولما هو حاصل على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك شططا مفرطا وغير نبيل بل وهدام من كل الأطراف، وسببه ليس مجرد اختلاف الآراء والمرجعيات والمصالح والاستقطاب الحاد بينهما فالاختلاف لا يتحول لخلاف وعداوة إقصائية إلا عندما تدخل الديماغوجية على الخط، والديماغوجية هي: الخطاب المهيج للتعصب والانفعالات العدوانية لدى الجمهور تجاه طرف معين لكي يستغلها صاحب الخطاب الديماغوجي لمآربه ومكاسبه الخاصة على حساب عموم الناس سواء من الفئة المستهدفة بالتحريض أو الفئة التي يتم تحريضها على حد سواء وإن كان يزعم أنها لصالح الناس ولصالح تحقيق اليوتوبيا الموعودة «المدينة أو الدولة الفاضلة»، ويكون هذا عبر اللعب على وتر إحباطات جمهوره وآمالهم ومخاوفهم غير الواعية وغير الموضوعية وتملقهم عاطفيا بالمديح والإطراء «للأنا» الجماعية الأمر الذي يشعرهم بالفوقية على من عداهم وتحقير كل من هو ليس من «الأنا» الجماعية باستغلال الانطباعات المسبقة المعممة السلبية خاصة عن الفئة المستهدفة، ومنها الاغتيال المعنوي للرموز والأشخاص بالسخرية والاستهزاء وأنواع الشائعات والاتهامات المسيئة التي غالبا لا أساس لها من الصحة، والديماغوجية هي المحرك لكل الحروب الأهلية أيا كان موضوع التحريض سواء أكان سياسيا حزبيا أو عقائديا دينيا أو لادينيا أو عرقيا أو قبليا. والصفة النفسية التشخيصية لمن يستعمل الخطاب الديماغوجي هي أنه سيكوباتي أي بلا أدنى ضمير أخلاقي يؤنبه على الكذب والافتراء والخطأ وبلا أدنى خجل ولا قابلية للشعور بالندم على ما يلحقه بخصومه وأيضا بجمهوره من ضرر ومعاناة، ولهذا في الحديث الصحيح ذكر النبي هذه الشخصية بصفتها وهي «المتشدقون المتفيهقون» وقال فيها (وإن أبغضكم إلى الله وأبعدكم مني الثرثارون المتفيهقون المتشدقون).. وفي رواية (شرار أمتي الثرثارون المتشدقون المتفيهقون).