في تاريخ الإنسانية، تطل شخصيات عظيمة تجسد دور المخلص لأممها مما ألم بها من خطوب ومحن تطوقها الفتن، وتوهي قواها الدسائس والمحن.. شخصيات استثنائية بكل معاني هذه الكلمة، نافذة البصيرة، قوية العزم، كلمتها تقوم مقام السيف مضاء وعزيمة، سيفها قائم على ميزان العدل بين إحقاق الحق وإماتة الباطل.. مبادرة كريمة تجسد مواقفه الأصيلة، سواء على مستوى وطنه أو أمام مسؤولياته كزعيم تاريخي وضع بصماته الكريمة على خارطة العالم، فانطلق بعزيمة التجديد والارتقاء ليقيم صروح مملكة شامخة في مسيرتنا المعاصرة. مبادرة خير أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أيده الله؛ لإزالة كل ما يشوب العلاقات الأخوية بين دولة قطر وجمهورية مصر العربية، لتفتح صفحة جديدة نقية بيضاء من غير سوء يكدر الدم والمصير المشترك، وتزيد من قوى وعظمة الصف العربي ووحدته أمام جرائم قوى الشر والبغي، سنوات من القطيعة وتبادل الاتهامات وجدت من الأشرار من يذكي نهارها ويؤجج لهيبها، حتى وأن لطخ السخام وجوههم، فوجوههم مسودة من سوء أعمالهم. تجلت حكمته حفظه الله أن سد كل الثغرات التي تحاول أن يدخل منها أعداء الإنسانية لتحقيق مآربهم الدنيئة، فكانت خطوات عملية متزنة تجلت فيها النوايا الحسنة سبقت هذه المصالحة وتوجتها في مدينة القاهرة، مؤكدة حرص الملك المفدى على أمن مصر ورفاهية شعبها وردم كل الشقوق التي أحدثها أعداء الأمة في نسيج مصر الداخلي أو في علاقاتها مع أشقائها، عمل، بنفسه، استشعارا منه بأن الأمة الإسلامية في خطر، وأن الإيمان بالله يأمر ويحفز على بذل الجهد وترشيد المسيرة لتكون مسيرة عدل وأمن واستقرار وسلام تمثل فيها قدسية الحياة الإنسانية وكرامتها، وتصان بها مقدرات الشعوب من الفساد والمفسدين، وتحقق معها العيش الآمن بين الجميع. آمن حفظه الله بأن ما يجري على الساحة الإسلامية، هذه الأيام، من تدمير وذبح وتقتيل إنما هو من صنع الإرهابيين، فكان لا بد أولا من فضح جرائمهم وكشف كل ألاعيبهم ومخططاتهم، يتساوى في ذلك عالمهم وجاهلهم، لم أجد في غمرة فرحي بالنجاح الكبير الذي أثمرته المبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله لدعم التوافق بين البلدين مصر وقطر؛ إلا القول بأنها «مبادرة عظيمة من قائد كبير»، فهذه المبادرة تضاف إلى رصيد خادم الحرمين الشريفين المرصع بمثيلاتها من المبادرات التي كشفت بعد نظره، ونافذ بصيرته، وحسن قراءته للمشهد السياسي العربي والعالمي على حد سواء، بل في حكمته التي أدركت ما يمر به العالم أجمع من كوارث وفتن استوجبت أن يأخذ موقف المبادر، حاملا هم الإنسانية جمعاء، مقدما من الرؤى ما يفتح لها نافذة الضياء، وقد أطبقت الظلمة من كل حدب واتجاه. ودونكم في التأمل والقراءة البصيرة مبادرة الملك في محاربة الإرهاب والتطرف الفكري، وفي التقريب بين المذاهب الدينية، ومحاورة الأديان، والتواصل المعرفي والثقافي عبر جائزته للترجمة، وغير ذلك من المبادرات العظيمة التي يؤكد تتبع نواتجها أنها أثمرت، وجنت خيرها الإنسانية جمعاء. واليوم، نقف على قطاف ثمار هذه المبادرات الكبيرة، فعظمة هذه المبادرة تجلت في أمور عديدة؛ أولها أنها جاءت في توقيتها الأمثل، إذ من غير الخافي على أي أحد ما وصلت إليه العلاقة بين مصر وقطر من القطيعة بسبب جماعة بعينها سممت الأجواء العربية بأفكارها، وأدخلت الأمة العربية والإسلامية في أنفاق مظلمة لصالح أجندتها الخاصة، فكانت هذه المبادرة بمثابة نزع الفتيل الذي غذاه المغرضون بأحقادهم، وهذا هو وجه العظمة الآخر في هذه المبادرة، فنواتج هذا التقارب يعني انحسار ومحاصرة تلك الجماعة ووضعها في مكانها الصحيح اللائق بهاء، كفاء ما تبثه من فتن، وتنثه من أحقاد. ومما يحسب لهذه المبادرة أيضا أنها ترفعت عن الصغائر، وأدركت حجم الأخطار المحدقة بالأمة العربية، وقراءتها البصيرة لمآلات التشرذم وحالة العداء المتنامية، والتي تهيئ الفرص للأعداء للنيل من الأمة بنشر بذور الفتنة فيما بينها، ليجيء صوت المبادرة محبطا كل مخطط للتشرذم، راتقا ما انفتق، مرمما ما انهدم، معطيا المثال لرؤية القائد «الأب» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ووجه العظمة في هذه المبادرة أنها أبانت على وجه عملي أن حل أزمات العرب لن يكون مرتهنا لغيرهم، فهم الأقدر على طرح مبادرات الصلح بينهم، وليس عصيا أن يتوافقوا، وإن ظن العالم أن العداوة بينهم لم تبق موضعا لاتفاق، ولكن طالما بقي في العرب كبير يخدم الحرمين خدمة التشريف ويملك قلوب الناس بما توطنت عليه نفسه من حكمة ورفق ومحبة لشعبه وأمته. إن هذه المبادرة بكل تجلياتها العظيمة، ستبقى نبراسا يحتذى، وقيمة تحفظها ذاكرة التاريخ، تشير إلى ملك استطاع أن يلم شعث الأمة المتفرق، ويضع حدا لافتراقها وخلافها الذي ضرب بأطنابه، فجاء صوت الحكمة منطلقا من أرض الحرمين الشريفين، ومكللا بهيبة خادمهما الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، فاكتسبت المبادرة قيمة تضاف إلى قيمتها التي عبرته عنها واقعا بتقارب المتنافرين، وانتهاء عهد التناحر والتراشق بينهما. وكلي يقين بأن الملك عبدالله ماضٍ في طريق لم الشمل، وتوثيق عرى الأخوة بين كافة العرب، فمبادرته لن تقف، وحكمته ستظل متقدة تخمد نيران الفتن أينما أشعلتها الأيادي الآثمة. شكرا لخادم الحرمين الشريفين على هذا الجهد الكبير، وهذه المبادرة العظيمة، وشكرا للقيادتين في مصر وقطر على تحكيم صوت العقل، والإذعان لصوت الحكمة، فما عادت الأمة تحتمل مزيدا من الجراح.