استقبلت بعض مدارس دبي مؤخرا أمهات وآباء الأطفال في المدارس العالمية بملصقات تحمل عبارات: «نحب أن نراكم، ولكن لا نحب أن نرى الكثير جدا» «إن كنتم على هذه الأرض، فأنتم منا» وهي إشارة إلى وجوب احترام التقاليد والثقافة المحلية التي تميل إلى الالتزام. فالملصقات تدعو الأمهات (وحتى الآباء) الذين يوصلون أطفالهم من وإلى المدرسة بوجوب مراعاة الاحتشام بالملبس وتغطية الأكتاف والركبة والوسط وعدم استفزاز المحافظين من الأهل الذين يمثل الاحتشام جزءا مهما من ثقافتهم وهويتهم الدينية. والملصقات تحمل صورة أربع نساء يلبسن ملابس مخالفة للعرف المحلي رغم أنها تبدو مقبولة جدا في أماكن أخرى من العالم وخاصة في فصل الصيف. واضطرت بعض المدارس لمخاطبة الأهالي حينما خرج الوضع عن نطاق المقبول وأصبحت توصيلة المدرسة او school run كما يسميها أصدقاؤنا الإنجليز مهرجانا استعراضيا يستعرض فيه البعض ثيابا تخالف أحيانا العرف المحلي بل وتخدش الحياء العام. فلسفة الرسالة على الملصقات هذه قائمة على أن المدارس مؤسسات تعليمية ويتوجب على مرتاديها سواء كانوا طلابا أم موظفين أم زوارا احترام المكان وعدم الخروج الصارخ عن إطار العادات وخاصة في مجتمع خليجي محافظ. وبما أن تواجد بعض الأهل في هذه الأماكن بملابس غير لائقة يؤثر على فكرة الطلاب أنفسهم عن هيبة هذا المكان بل ويدعوهم للتهاون في اللبس الرسمي المدرسي بتقصيره أو تضييقه أو كشف الوسط فإن المدارس ارتأت وجوب التنويه اللطيف بملصقات توصل الرسالة. وبما أن دبي مدينة عالمية فإن مدارسها الكبيرة والعالمية تحتضن أحيانا آلاف الطلاب من جنسيات متعددة تصل أحيانا إلى أكثر من ثمانين جنسية مختلفة كما تشير إحصائيات المدارس الكبرى فيها. فبين هذا الجمع يوجد المسلم والمسيحي والبوذي والهندوسي والملحد وغيره وغيره وغيره. والجميع محترم طالما يحترم النظام. والعرف المحلي يميل إلى المحافظة قطعا ولذا فيتوجب للضيوف احترامه. ولذا فقد تقبل بعض الأهالي هذه اللفتة المتحضرة من المدرسة، ولكن البعض الآخر اعتبرها تدخلا في الحريات الشخصية وأثارت هذه اللفتة المتحضرة الكثير من اللغط بين البعض. دافعت المدرسة عن موقفها بثبات قائلة بأن الملصقات توصل رسالة واضحة ولكن بطريقة لطيفة وغير متعدية على خصوصية الفرد بإفراده بالحديث والتأنيب، فبعض الأمهات وحتى الآباء لا يدركون تفاصيل التقاليد المحلية ويعتبرون أن ملابسهم مقبولة ولكن المعايير المختلفة تجعل لبسا معينا يميل إلى المحافظة في مكان بينما يعتبر خادشا للحياء في مكان آخر. والفئه الغضبانة من الملصقات تزعم بأننا في 2014 وأن كل إنسان مسؤول عن سلوكياته وملابسه ويجب أن لا يحكم الإنسان على الآخرين من ملابسهم بل من الخطأ أن نعلم أطفالنا الحكم على الآخرين لأي سبب ظاهري ومن الواجب احترام التباين!، ولكن ألم يفكر هؤلاء بأنه من الصحيح أن نعلم أبناءنا احترام الثقافة المحلية في المجتمع الذي يعيشون فيه. فهل من المقبول أن تذهب الأمهات لتوصيل أطفالهن إلى المدرسة في دبي مرتديات ملابس وكأنهن في شواطئ المالديف؟ أو أن يأتي بعض الآباء بملابس رياضية تبالغ في كشف الجسم بحجة الحرية الشخصية؟. المدرسة هي جسر ينقل الطفل من حياة المنزل إلى حياة المجتمع المفتوح: مجتمع العمل ومجتمع العلاقات الاجتماعية ومجتمع الناس بمختلف طقوسهم وعاداتهم وأعرافهم، فالطفل يتعلم من المدرسة مالا يتعلمه من المنزل يرى أنماطا سلوكية جديدة ونتاج سياسات تربوية مختلفة، الطفل في المدرسة يفتح عينيه ربما لأول مرة على التباين والتنوع البشري والثقافي والديني والجغرافي وغيره مما يصعب حصره مما يهيئه للحياة في أي مجتمع سوف يوجد فيه في المستقبل كفرد متحضر متعلم مثقف مرن يحترم غيره ويدعو الغير لاحترامه. المدرسة ليست فقط كتابا وقلما بل عملية هندسة سلوكية واجتماعية وتربوية تفتح مدارك الطفل على عولمة القرن الواحد والعشرين.. نعم نحن في 2014 ونعم يجب أن نقدر التباين ولهذه الأسباب ذاتها يجب أن نحترم تقاليد المجتمع الذي نعيش فيه ونعلم أبناءنا على احترامها بدلا من التمرد عليها، وذلك إن أردنا ان يتقبلنا المجتمع الذي نعيش فيه بدلا من أن يلفظنا ويهمشنا ويتعجب من جهلنا.