دافع عبد الرحمن بن خلدون عما يقال أن الخليفة هارون الرشيد كان صاحب خمر وغناء . فقال في كتابه الفخم «مقدمة ابن خلدون» : وأما ما تموه له الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر واقتران سكره بسكر الندمان فحاشا الله ما علمنا عليه من سوء وأين هذا من حال الرشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء ومحاورته للفضيل بن عياض وابن السماك والعمري ومكاتبته سفيان الثوري وبكائه من مواعظهم ودعائه بمكة في طوافه وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصلوات وشهود الصبح لأول وقتها. حكى الطبري وغيره أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة نافلة وكان يغزو عاما ويحج عاما. تولى الخلافة وعمره فوق العشرين بقليل وأصبح أشهر بني العباس لأنه حكم دولة من أطراف الصين إلى ساحل المحيط الأطلنطي وكان يسمى في عهده بحر الظلمات، وقد كانت بينه وبين شارلمان ملك فرنسا مراسلات وهدايا، وقد أهدى الرشيد إليه ساعة فظنها جلساء شارلمان آلة سحرية وسأل شارلمان هارون الرشيد كيف استطاع أن يسيطر على بلاد هي ألف ضعف البلاد الفرنسية بينما هو يجد صعوبة في اخضاع أقاليم بلده الصغيرة ؟ فقال له هارون الرشيد عبارته الشهيرة : إني أحسن اختيار الرجال. وللرشيد عبارة أخرى تدل على سعة ملكه وانتظام شؤونه فقد رأى سحابة تسير فوق بغداد ولم تمطر فقال لها : امطري حيث شئت فخراجك سيأتي إلي. ويحكى والله أعلم أنه كان يلعب الشطرنج مع زوجته السيدة زبيدة فغلبته فقالت له : أحكم عليك أن تقع على هذه الجارية. واسمها مراجل وكانت في ثياب رثة تكنس ردهات القصر، فأنجبت مراجل ابنه المأمون الذي اختلف مع أخيه محمد الأمين ولد السيدة زبيدة .. وكان بينهما ما كان من حروب قتل فيها الأمين وأصبح المأمون هو الخليفة العباسي السابع. وكانت ملكة الروم قد وافقت على الحفاظ على ملكها من الفتح الإسلامي بقيادة هارون الرشيد بدفع مبلغ سبعين ألف دينار سنويا فلما ماتت رفض خليفتها نقفور الدفع فأرسل له جيشا أرغمه على الصلح. توفي الرشيد رحمه الله عام 170ه .. السطر الأخير : قال تعالى: { إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله }.