شارع التحلية، والذي بات يعرف باسم شارع الأمير محمد بن عبد العزيز بجدة له ظاهر وباطن، وكان من المعتقد أن ظاهره هو تلك المراكز والمتاجر والماركات العالمية ولوحات الدعاية والإعلان التي ترتفع بغرور في القسم الواقع إلى الناحية الغربية من طريق المدينة، أما باطنه فهو الجزء الواقع إلى الشرق من طريق المدينة، حيث تتراص الدكاكين الشعبية والبقالات الرثة والمطاعم المتواضعة والمنازل العشوائية، كان من المعتقد أن ذلك هو ظاهر شارع التحلية، وذلك هو باطنه، وكأنما هو حين يجمع بين طرفي النقيض يرمز إلى مدينة جدة نفسها، مدينة جدة وهي تتهيأ كي تكون على أرضها أعلى ناطحة سحاب في العالم، بينما هي لم تتخلص من أحيائها العشوائية التي تعيش أسفل سافلين بما ينتشر فيها من نفايات وأنقاض مبانٍ وبؤر للجريمة وتخلف في كافة المرافق وغياب لمشاريع التنمية. كان من المعتقد أن ذلك هو ظاهر شارع التحلية وباطنه، حتى كشفت حادثة غرق طفل ووالده في خزان للصرف الصحي بهذا الشارع عن أن له ظاهرا وباطنا مختلفا، فالشارع الذي يتأنق أصحاب المتاجر والمراكز فيه في تجميل واجهات محلاتهم ويبالغون في تجميلها بلوحات الإعلان ويغرون الناس بزيارتها ويراهنون على جودة سلع متاجرها وتنوع وجبات مطاعمها وتعدد مذاقات القهوة في مقاهيها، هذا الشارع نفسه وفي المكان نفسه يحتفظ بفوهات للصرف الصحي كفيلة بقتل من تتعثر قدماه بها، رجلا أو طفلا أو امرأة، كما حدث لذلك الطفل ووالده. جمال ظاهر يخفي وراءه قبحا مستترا، وتأنق مبالغ فيه يخبئ وراءه قبحا له نتانة خزان صرف صحي تركه مالك متجر مفتوحا، وكأنما غاية ما يقدر عليه أن يوفر لزبائن مركزه أرضيات رخام يسيرون عليها، ولا يعنيه إن ترك لهم في الشارع المجاور لمتجره خزانا للصرف الصحي يلتهم أجسادهم وأرواحهم، لا يعنيه من أمر هذه الأرواح شيء ما دام قد التهم ما في جيوبهم ثم قذف بهم إلى الشارع. لشارع التحلية ظاهر وباطن مختلف، غير أنه ظاهر وباطن يظل مشابها لظاهر جدة وباطنها، ظاهرها وباطنها حين تتباهي أمانتها بمشاريع المليارات، وتعجز بكل فرقها عن المراقبة لاكتشاف خزان للصرف الصحي يفتح فمه وعفنه للعابرين في أشهر شوارعها. وإذا كانت الجهات المسؤولة بدأت تنشغل بالتحقيق في الحادثة ومعرفة من يتحمل جريمة غرق الطفل ووالده، فإن على من يتباهون بهذا الشارع أن ينشغلوا بالبحث عن اسم جديد له غير ما كانوا يطلقونه عليه حينما كانوا يسمونه شانزليزيه جدة.