هي ليست حادثة عادية إذا كان هناك من يعتبر انتهاء حياة إنسان بذلك الشكل عاديا، وليست قابلة لتفريق دمها بين التصريحات والتصريحات المضادة التي ربما تتبادلها بعض الجهات. هي مأساة إنسانية بكل المقاييس حتى لو حدثت في شارع خلفي مهمل في مدينة بعيدة عن الضوء، فكيف عندما تحدث في أهم شارع في مدينة جدة، الذي يصفه البعض ب«شانزليزيه» جدة، وهم لا يعلمون أن مصائد الموت القذرة تقف أمام واجهاته اللامعة. ما حدث يوم الخميس عندما توفى طفل ووالده في خزان الصرف الصحي بشارع التحلية، إيقونة جدة التي تتباهى بها كثير من الإدارات الخدمية، هو دليل على أننا مستمرون في الاهتمام بالقشور والطبقات التجميلية الرقيقة وإهمال ما تحتها من قبح ورداءة. وبرهان على أن مصطلح البنية التحتية الذي نتشدق به لا يزيد على شعار كلامي فقط مسخر للاستهلاك الإعلامي، بينما هو في حقيقته يعاني من مشاكل مستعصية رغم كل الميزانيات التي تنزفها الدولة من أجله. حاولت كثيرا أن أستوعب ذلك السيناريو الذي ذهب ضحيته الطفل ووالده رحمهما الله، لكني لم أستطع أبدا. إنه قدر الله الذي نؤمن به لكن الأقدار لها أسباب. الطفل كان يمشي سابقا والده لا أكثر، لم يعبث بغطاء الحفرة أو ينتزعه، بل الحفرة هي التي التهمته وهو يمشي؛ لأن لا أحد يعرف عنها، ولا جهة تفقدتها وهي بتلك الحالة رغم أنها في أشهر الشوارع وأكثرها زحمة. دعونا من تحديد المسؤولية في جهة بعينها؛ لأن ذلك لن يفيد كثيرا، ودعونا نقول ونؤكد أن كل الجهات المعنية بخدمات ذلك الشارع مسؤولة عما حدث، ولولا قصورها لما ترك صاحب المجمع التجاري خزان الصرف الصحي بتلك الخطورة، ثم يلام وحده بعد وقوع المأساة. الموت يتربص بالناس في الشوارع، وعلى الطرقات الطويلة، وفي قوائم انتظار المستشفيات، لكنه مؤلم جدا أن تضاف خزانات الصرف الصحي المهملة إلى قائمة أسبابه.