يوم عرفة هو أهم جزء في الحج، فمن فاته يوم عرفة ولم يقف بها فاته الحج، فيوم عرفة فضله كبير، ومكانته عند الله سبحانه عظيمة، وله جلال ورهبة استمدهما من عظم مكانته، وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة». في يوم عرفة أكمل الله الدين على عباده وذلك حين نزل يوم عرفة على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. وفي يوم عرفة تجد الناس يربطهم رباط واحد، ليس هو اشتراكهم في زي موحد، ولا وجودهم في مكان واحد في زمن واحد، وإنما هو اشتراكهم في أمل واحد، أن يغفر الله لهم ويكفر عنهم خطاياهم. فالقلوب كلها تخفق رجاء نيل الرحمة من خالقها. فيوم عرفة هو أكثر الأيام التي يرجى فيها استجابة الدعاء، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة». وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأن يوم عرفة هو أكثر الأيام التي يمن الله فيها على عباده بالعتق من النار، وذلك حين قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة». ولابن القيم رحمه الله أبيات تصف عظمة هذا اليوم يعبر فيها عن شوقه إلى الحج والوقوف بعرفة يقول: فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرم يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأكرم فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيهم ما أملوه وأنعم فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحم فكم من عتيق فيه كمل عتقه وآخر يستسعي وربك أكرم في كل عام حين يأتي موسم الحج ويصعد الحجيج إلى عرفة، تهفو قلوب المؤمنين إلى ذلك المكان الروحاني تلهفا للقرب من المولى والتماسا لرضاه، فيغبط من لم يحج من حج متمنيا أن يكتب له حج قريب مثله، ولعبدالرحيم البرعي أبيات تعبر عن هذا المعنى وتصف لهفته وتشوقه إلى أداء الحج. تالله ما أحلى المبيت على منى في ليل عيد أبرك الأعياد ضحوا ضحايا ثم سال دماؤها وأنا المتيم قد نحرت فؤادي لبسوا ثياب البيض شارات اللقا وأنا الملوع قد لبست سوادي يا رب أنت وصلتهم صلني بهم فبحقهم يا رب فك قيادي فإذا وصلتم سالمين فبلغوا مني السلام أهيل ذاك الوادي تقبل الله من الحجاج حجهم، وكل عام وأنتم في رحمة من الله وعفو ومغفرة.