أضحى موضوع المبالغة في الديات من الظواهر السلبية التي برزت في الآونة الأخيرة بصورة لا تتسق مع القيم الإسلامية التي تحض على قيم الصفح والعفو عند المقدرة والتسامح وإصلاح ذات البين، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن طلب الدية حق شرعي لذوي المجني عليه لا يجادل فيه أحد دون المبالغة فيها. في هذا الصدد، وصف العديد من العلماء ورجالات الفكر ظاهرة المبالغة في قيمة الصلح في قضايا القتل بأنها ظاهرة دخيلة لا تمت بأية صلة للدين الإسلامي الحنيف والمجتمع السعودي المتمسك بالشرع الحنيف، مؤكدين ضرورة تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير من تلك الظاهرة السيئة، وحاثين على أهمية إحياء فضيلة العفو وتذكير الناس بذلك وبالنصوص الحاثة عليه بكل وسيلة تحقق الانتشار والقبول. وأوضح رئيس المحكمة العامة بالمدينةالمنورة الشيخ صالح المحيميد أن القصاص من الجاني على النفس وما دونها كفقء العين وكسر السن وغير ذلك من الجراحات حق خاص للمجني عليه أو للورثة، وأن الشرع الحنيف يتشوف إلى إسقاط حق القصاص والعفو عن الجاني لتصفية النفوس وإحسانا إليه مع عظيم إساءته، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما عرض عليه طلب قصاص إلا أمر أمر استحباب بالعفو، مشيرا إلى أن العفو عموما تبرع قد أمر الله به بقوله: «خذ العفو وأمر بالعرف». من جهته، أبان مدير الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة الدكتور عبدالرحمن السند أن من الخصال الحميدة والأخلاق الكريمة التي ينبغي على كل مسلم أن يتحلى بها صفة العفو وهي «التجاوز على الذنب وترك العقاب عليه»، لأن الله عفو يحب العفو. وأفاد الدكتور السند أن المبادرة بالخيرات لا سيما العفو عن المسيء من الفرص النادرة التي يثبت فيها الأخيار ويفوز بها الأبرار ولطالما فاتت على كثير لما غاب في حسبانهم الفضل الكبير الذي أعده الله للعافين عن الناس في الدنيا بالعز والرفعة وفي الآخرة بالثواب والمغفرة. وقال السند إن الله شرع القصاص في القتل العمد لردع من تسول له نفسه إزهاق نفس بغير حق، معتبرا ظاهرة المبالغة في طلب الديات مقابل العفو عن القصاص إلى جانب التجمعات وإقامة المخيمات من أجل طلب العفو، تخدش الصور الإيجابية التي تعكس أصالة شعب المملكة أمام الآخرين بأشياء بعيدة تماما عن الدين والتقاليد، فضلا عن أنها إرهاق لكاهل أسر الجاني وأقاربه وجماعته، إلى حد يصل في بعض الأحيان إلى التعجيز والمطالبة بما لا يمكن تحقيقه فالعفو لم يكن يوما من الأيام من أجل دنيا أو مظاهر زائلة. وحث الدكتور السند على إحياء فضيلة العفو وتذكير الناس بذلك وبالنصوص الحاثة عليه بكل وسيلة تحقق الانتشار والقبول، مما سيعود بأثر إيجابي كبير وبذل الجاه والشفاعات للعفو ابتغاء وجه الله أو الرضا بالدية الشرعية أو الصلح على مال غير مبالغ فيه مبالغة فاحشة وتفعيل دور لجان العفو وإصلاح ذات البين. بدوره، أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير أن من أعظم السقطات والورطات، هتك الدماء المعصومة، وإزهاقها، واستباحتها، وانتهاك كرامتها، والتجرؤ على حرمتها، حيث إن الإسلام قد عظم شأن الدماء، وحرم قتل النفس المعصومة بغير حق، منبها فضيلته كذلك إلى أن الشريعة حرمت الإشارة إلى مسلم بسلاح أو حديدة، سواء كان جادا أو مازحا. وقال الشيخ البدير: «فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة لكلا الجانبين، وليس الترغيب في أخذ مال الصلح والعفو بناقض لحكمة القصاص؛ لأن الازدجار يحصل مع ثبوت التخيير». وأبان الشيخ البدير أن من أضرار المبالغة بالديات وخطرها، انتشار ظاهرة جمع التبرعات بطريقة عشوائية وظهور سماسرة الصلح الذين يفرضون نسبة لهم، وربما أدى ذلك إلى المتاجرة والتكسب بالدماء والرقاب وحدوث قطيعة بين أولياء الدم بسبب الاختلاف في قدر مبلغ المصالحة.