الزوار والهدايا: «وسلال من الورد ألمحها بين إغماءة وإفاقة وعلى كل باقة اسم حاملها في بطاقة تتحدث لي الزهرات الجميلات أن أعينها اتسعت في دهشة لحظة القطف لحظة القصف لحظة إعدامها في الخميلة تتحدث لي: أنها سقطت من عرشها في البساتين ثم أفاقت على عرضها في زجاج الدكاكين أو بين أيدي المنادين حتى اشترتها اليد المتفضلة العابرة تتحدث لي: كيف جاءت إلي وأحزانها الملكية ترفع أعناقها الخضر كي تتمنى لي العمر! وهي تجود بأنفاسها الآخرة!! كل باقة بين إغماءة وإفاقة تتنفس مثلي - بالكاد - ثانية ثانية وعلى صدرها حملت راضية اسم قاتلها في بطاقة!! أمل دنقل أوراق الغرفة (8) قصيدة زهور يفجؤك هذا الجنوبي بتصوير حالته النفسية وهي تستقبل الهدايا - (من الزهور والورود) - من زائريه ومريديه، فيحول هذه الهدايا إلى كائن يتحدث ويناجيه كلما أفاق من إغماءاته المتكررة، فتقول له إنها كانت ملكة حرة سامقة في عروش البساتين، وأصبحت مسجونة/ مقيدة/ في سلاسل مزخرفة بأيدي المهدين الزائرين!! وعليها بطاقة تحمل اسم مهديها/ قاتلها!! إن (الجنوبي) في هذا النص يرسم لنا مسار الوردة من البستان إلى الدكان، ومن الحياة إلى الإعدام حيث القطف والقصف، ولكنه يحييها ثانية عندما وجدها تجود بأنفاسها الأخيرة فها هي تتنفس مثله لتجود بعمرها لعمره الذي يتساقط ثانية ثانية!! لست معك أيها الأخ الشاعر (الجنوبي) فالورود لغة الحب، إكسير الحياة الإيجابية، فيها إيحاء بالجمال والسعادة ومعنى كبير من معاني العطاء واللذة. رائحة زكية، ومنظر أخاذ، وجمال يوحي بأحلى القصائد والنصوص الشعرية!! لقد كنت في غاية السرور عندما أزور المرضى وأهديهم هذه الورود، وأكون أكثر سعادة عندما أجدها أمام غرف المرضى والمنومين وغرف المواليد لأنها تشعرني بالجمال والتفاؤل. كنت أقول في نفسي - لو مرضت، ونومت في المستشفى - هل ستهدى إلينا هذه السلال من الورود أو البوكيهات التي يتفنن فيها أصحاب الورود الصناعية أو الحقيقية!! وها أنا اليوم الأحد 26/6 وأنا في الغرفة (326) وبعد أن خرجت للمنزل يوم الأحد 4/3، أنتظر الزوار وإهداءاتهم الوردية فكم هو جميل عناق المريض بوردة صفراء أو حمراء أو فوشي أو أي لون؟! لم يبخل علي الزوار بمثل هذه الهدايا والتي كانت متشعبة الأنواع والألوان والنماذج فهذه باقات ورد صناعية وأخريات حقيقية من كل الزهور والورود العطرية، وهذه مجموعة من التمور المحلية في علب فاخرة وذكية، وهذه حقائب إبداعية تحمل بخور العود وملحقاته، وهذه صناديق جميلة تحتوي على المصاحف الشريفة، وأخرى تضم بين جنباتها قناني العطر بكل روائحه الزكية. وفوق ذلك كله سعدت بهدايا الكتب والفضاءات الثقافية!! فهذا القاص محمد علي الشيخ يهديني كتابين رواية بعنوان: حان أوان الرحيل لجمال محمد إبراهيم، وكتاب بعنوان: زواج المال والسلطة لأحمد المنياوي. وهذا الرحيم خالد تركستاني يهديني كتاب اليوم النبوي للشيخ عبدالوهاب الطريري. وأما الزميل الباحث الدكتور سعود الخديدي فيهديني ثلاثة كتب في الرحلات الغريبة للجزيرة العربية وهي: أخلاق الرولة وعاداتهم ل أ. موزل وترجمة الدكتور محمد سليمان السديس. وكتاب رحلة في الجزيرة العربية الوسطى ل شارل هوبير. وكتاب نجد الشمالي رحلة من القدس إلى عنيزة ل كارلو كلاوديو جوارماني وترجمة الدكتور أحمد إيبش. ولقد كنت أقتنص الفرص لتصفح هذه الكتب والاطلاع على ما فيها من كنوز معرفية. فشكراً لأصحابها المهدين فهي تدل على عمق ثقافتهم وعلى روحهم الأخوية إذ خصوني بهذا النوع من الإهداءات. والشكر - أيضاً - موصول لكل من زارني وأهداني دعاءً صادقاً بأن يجعل ذلك في موازين الحسنات. لقد أكرموني وأدخلوا السرور والسعادة إلى قلبي فجزى الله الجميع كل خير!! ورغم الروح المعنوية العالية بعد هذه الإهداءات، إلا أن الأجواء المرضية تفرض نفسها فيأتي الشعر مضمخاً بالأسى والحزن والالتجاء إلى العزيز القدير فكانت هاتان القصيدتان: ساعة السحر/ يا ليل الأوجاع (1) في هذا الوقت من الليل/ تتداعى الأوجاع إلى قدمي/ إلى ساقي المكسور/ إلى فخذي إذ ضمرت بعض العضلات!! أتفقد بعضي/ أتألم/ أتذكر بعض الدعوات/ لن يتخلى عني ربي/ لا عسر ولا ظلمات/ اليسر الحاصل/ والفرج الموعود/ فتول يا ليل الحسرات!! (2) في هذا الوقت المتأخر من ليل المتنبي وحماه/ الوقت المبكر جداً من صبح طال انتظاره/ كي ننسى آلاماً لا تأتي إلا في الليل/ يا حمى المتنبي قولي شيئاً ينسيني هذي الآلام.. قولي: إن الله معي!! إن الله سيمحني هذا الصبر على هذي المأساة!! وتمر الأيام... تحمل هذي الذكرى... تبقى الآهات وليل الضعف البشري... و«يا ليل خبرني عن أمر المعاناة»!! * * * (3) في هذي الساعة: يحسن بالعبد الموجوع... أن يفر من الأوجاع/ إلى رب الأوجاع!! أن يتلاشى ذاتاً في ذات الله.. أن يتحول ربانياً/ يترك هذي الدنيا/ يسمو للعلياء.. وسيكون الله قريباً/ أقرب من كل الآهات!! (4) ويا ساعة السحر: يا ساعة التجلي اقتربي... أنيري ظلمة هذا الليل الخانق آلاماً... سوف أصوغ سويعة قرب روحانية.. أتماهى في الملكوت العلوية.. يتجلى الرب/ فتكون الروح سماوية.. وتزول الآهات.. وكل الحسرات!! * * * سمني ما تشاء (1) وحتى متى.... يا مواني القلوب العتيقة.. يظل الضياء شحيحاً؟! وأيقونة المد تحبو وشيكاً؟! وتغزو قرانا جموع الجراد؟! (2) وكسرت - عمداً - سيفي المصقول... لا طارقاً - مر على الذاكرة.. ولا حل - ذو يزن - بيننا.. فأوقد على الطين.. حتى يصير رماداً... ومنه سأخلق «رمانة المستحيل»... و«عنقاء» هذا الزمان الكئيب!! * * * (3) وأتيت متشحاً نبوءات الحداد.. تغلفها مشية طازجة.. تعربد في ذاتك أحلامها.. فتوغر صدر الزمان الدنيء.. وتوشك أن يعتريك السواد/ مدججاً بالثآليل.. وبالودع الساكن أمشاجنا وبالنوء يكذب: لا غيث يحمل.. لا ريح تعصف.. وما تم غيث... (.......) البلاد!! (4) تثاقلت عما نويت/ وكانت مجالاً... لهذا الذي سموه ليلاً/ وأسميته حقلاً من الزنجبيل المطهم/ أغنية لهذا المساء الثقيل... الذي صب وابله دونما رحمة/ واحتواني - بعد لأي - سراب الذهول!! * * * (5) سمني ما تشاء: عارف/ خائف/ ناشف/ جارف/ كاشف/ رائف/ زائف/ طائف/ واقف.... كلها بدعة هذي المعاني، وهذي الأسامي.. كل ما فيها سراب!! وها هي فيروز تنشد: «أسامينا... شو تعبوا أهالينا تلاقوها.. الأسامي كلام.. شو خص الكلام.. عينينا هني أسامينا» * * *