لا يكاد يخلو مجلس اجتماعي من الحديث عن سوء خدمات البنوك لدينا.. ومعاناة الناس من التعامل معها وشكاواهم المريرة منها.. حيث تروى قصص عن تجارب يمر بها المواطنون في تعاملاتهم مع البنوك تعكس أزمة إدراك من قبل البنوك للمفاهيم البنكية الحديثة والقيمة العالية المفترضة لعملاء البنوك في ميزان تقييم العاملين فيها. وليس أدل على ذلك من أن عدد الشكاوى التي قدمها عملاء البنوك ضد بنوكهم لمؤسسة النقد على مدى الثلاثة أعوام الماضية بلغت 66 ألف شكوى!! وذلك حسب تصريحات أمين عام لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية الزميل طلعت حافظ.. وبالتأكيد هذا العدد أقل بكثير من الواقع، فهناك الكثير الذين يحجمون عن التقدم بشكاواهم.. ولا سيما الذين سبق أن خذلوا من نتائج تقديم الشكوى.. حيث لم يجدوا لها جدوى أو اهتماما من قبل مؤسسة النقد!!. والمستغرب أن خدمات البنوك تطورت تطورا كبيرا على مستوى العالم.. بينما يحدث العكس لدينا.. والدليل أن البنوك السعودية تتوسع في إنشاء فروع لها.. بينما في الكثير من دول العالم تقلص البنوك فروعها وتغلقها.. حيث لم يعد العميل بحاجة إلى مراجعة البنك بعد أن مكنه البنك من إنهاء كافة متطلباته وتلبية كافة احتياجاته من خلال شبكة الإنترنت الإلكترونية.. وإذا لزم الأمر الهاتف المصرفي. بينما لدينا يحدث العكس، حيث كثيرا ما يطلب منك موظف الهاتف المصرفي مراجعة الفرع.. فالكثير من الإجراءات البنكية لا تتم على الإنترنت ولا من خلال الهاتف. أما مواقع البنوك الإلكترونية، فهي من أضعف المواقع البنكية.. وهي أقل من المستويات العالمية بفارق واضح.. كما أن البرامج المصرفية الإلكترونية ضعيفة جدا. ولم يعد مستغربا أن يسألك صديق.. هل تعرف أحدا في البنك!! وهو الأمر الذي يعكس مستوى خدمات العملاء في البنوك.. التي يصعب إنجازها دون معرفة أو واسطة.. ذلك أن الراضين عن خدمات البنوك هم الذين يعرفون أحدا فيها تقضى من خلالهم احتياجاتهم البنكية. وأصبحت ظاهرة «طوابير» المراجعين وقوائم الانتظار الطويلة التي تهدر أوقات الناس سمة واضحة في البنوك السعودية. وكثيرا ما يقف المراجع في البنوك في طابور الانتظار الطويل.. ويفاجأ عندما يأتي دوره.. بموظف البنك يبادره بقوله إن «السيستم» عطلان!!. ناهيك عن التعامل الجاف الذي يتعامل به بعض موظفي البنوك مع العملاء والتفاعل السلبي مع احتياجات ومتطلبات المراجعين. وما زالت المعاملات في البنوك تستغرق وقتا غير منطقي وغير مقبول.. حيث يتطلب على سبيل المثال إلغاء بطاقة ائتمانية شهرين كاملين يتخللهما متابعات متكررة وزيارات مستمرة لفروع محددة وليس لكل فروع البنك!!. يقول الخبير الاقتصادي فضل بوعينين: «البنوك السعودية تصنف في ذيل القائمة الدولية للبنوك من حيث مستوى الخدمات التي تقدمها لعملائها». أما شكاوى العملاء وملاحظاتهم، فإنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب الذي يجسد اهتماما بخدمة العملاء. وبعد أن كنت أسمع شكاوى الناس من خدمات البنوك.. عشت تجربة فعلية مؤخرا.. بعد أن أوقفت بطاقتي الائتمانية بدون طلب مني وبدون سبب، الأمر الذي سبب لي أضرارا خلال سفري للخارج.. وقدمت شكوى هاتفية للبنك.. وحاولت تقديم شكوى إلكترونية، إلا أن الرد جاءني بأنه لا يمكن قبول الشكوى الإلكترونية لضمان سرية معلومات العميل.. وبهذا يكون الخيار الإلكتروني معدوما.. ولا أدري لماذا يشار إلى أنه متاح؟!. ثم قدمت الشكوى رسميا إلى مؤسسة النقد.. وكان اعتقادي أن المؤسسة سوف تكون صارمة وسيكون تجاوبها حاسما وفعالا.. إلا أن ظني خاب.. ومضى نحو الشهر ودلفت الشكوى في طي النسيان!! المشكلة هي أن هذا التردي في خدمات العملاء بالبنوك السعودية يحدث في وقت تحقق فيه البنوك أرباحا خيالية من تعاملات هؤلاء العملاء.. بل أرباحا تاريخية غير مسبوقة في العام الحالي.. ونتساءل: لماذا لا تنفق البنوك جزءا يسيرا من أرباحها الهائلة لتحسين جودة خدماتها لعملائها.. وتحسين تجهيزاتها وبنيتها الإلكترونية وتطوير قدرات ومهارات موظفيها. يقول الرائد الصحافي الكبير الأستاذ عبدالله عمر خياط، في مقال له نشر في هذه الجريدة في 20 شوال الماضي: «لا أعتقد أن أحدا يعرف متى يستيقظ ضمير أصحاب البنوك أو القائمين على إدارتها». ثم نتساءل بشكل كبير عن الدور الغائب لمؤسسة النقد وهي الجهة الرسمية المشرفة على القطاع المصرفي والذي نص نظامها على حماية عملاء البنوك ورعاية مصالحهم.. أين هي من المشهد المتردي لخدمات العملاء في البنوك.. لماذا تتخذ دور «المتفرج» على سوء خدمات البنوك.. ألم يجب عليها وضع استراتيجية لتحسين خدمات عملاء البنوك وتطويرها.. وإلزام البنوك بتطبيقها في إطار خطة زمنية محددة.. وألم تدرك المؤسسة حجم معاناة المواطنين من تعامل البنوك بعد أن بلغ عدد الشكاوى التي وردت لها أكثر من 66 ألف شكوى!!، وحقيقة لم يسبق أن سمعنا عن قرارات منصفة لعملاء البنوك رغم هذا الكم الكبير من الشكاوى. ويظل أملنا قائما في دور فعال وملموس للمؤسسة في تحسين خدمات العملاء بالبنوك.