الاختناق المروري يكاد يكون سمة أساسية للمدن الكبيرة، وفي ظل هذا التواجد تتضافر جهود كل الجهات المحلية من أجل تخفيف أثره على المدينة، والناس، ومن تلك الجهود خلق خطط وابتكارات هندسية لإزالة ذلك الاختناق. وفي هذه النقطة، تحديدا، شكرنا كل من ساهم في إيجاد الخطة الهندسية لشارع الملك عبدالعزيز الذي يخترق المدينة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في انسيابية مريحة، لكن أن تضع خطة هندسية يجب متابعة تطبيقها في الميدان لا أن تعتمد على سريانها محسنا الظن بوعي الناس، فإن أردت ذلك عليك أولا توعية الناس بالإرشادات والعقوبات حتى تضمن سريان الخطة. وإدارة المرور تركت الحبل على الغارب ظنا منها أن الجميع سوف يلتزم بخطط السير.. لدى ثلاث ملاحظات ذكرتها سابقا، وسوف أعيد ذكرها ظنا مني أيضا أن هذه الإدارة بحاجة للتذكير دائما بأن رجالها الميدانيين لم يطبقوا التنظيمات التي تضمن جريان السير أو متابعة المخلفات التي يمكن لها أن تسهم في زيادة نسبة الحوادث. ودعونا نعود لشارع الملك عبدالعزيز، والذي يعد الشريان الرئيس لمدينة جدة والإشارة إلى بقية الشوارع التي اتبعت نفس المخطط الهندسي الهادف لإبقاء الشارع في حالة جريان مع إلغاء التقاطعات وإيجاد التحويلات كبديل للدوران وتغير المسار.. فهذه التحويلات غدت جلطة في الشارع تحدث تخثرا يؤدي للاختناق بسبب عدم التزام السائقين بمسار واحد لإحداث الدوران، فمع أي تحويلة تتجمع السيارات في ثلاثة أو أربعة مسارات، ما يعيق انسيابية الشارع وتتحول كل تحويلة إلى تراكم وازدحام يبقي الشارع في حالة اختناق مستمرة، ومع أن رجل المرور يقف بسيارته أمام كل تحويله، إلا أنه وقوف عدمي، إذ يقف من غير تحرير أي مخالفة لمن يصطف في تلك المسارات المتعددة، ولو أن إدارة المرور حزمت الأمر لأيام فقط بتسجيل مخالفة عالية لمن يصطف في مسارات إضافية، فسوف يبقي على جريان الخطة الهندسية لهذا الشارع وأمثاله من الشوارع الأخرى.. وهي الملاحظة التي تكررت مرارا من غير أن تستجيب الإدارة لتنفيذها، وإن نفذتها فهو تنفيذ صوري ببقاء رجل المرور داخل سيارته بجوار التحويلة، بينما السيارات (تتراكب) أمام عينيه من غير أن يحرك ساكنا. وهناك ملاحظتان أخريان لا يتعامل معهما المرور بجدية، وكل منها تمثل خطرا فادحا على الناس وتشكل ارتفاعا في نسبة الحوادث، وأولاهما عدم متابعة إدارة المرور لسيارات الشحن الكبيرة بأنواعها المختلفة والتي تتجاوز السرعة المسموح بها متخطية مسارها إلى مسارات أخرى، ولأن سائقي هذه الشاحنات يعلمون أن ساهر لن يسجل عليهما مخالفة إن كانت السرعة المسموح بها مائة كيلو في الشارع، فالشاحنات إذا سارت بسرعة المائة كيلو أو التسعين كيلو، فهذه السرعة بالنسبة لها تعد تجاوزا كبيرا يسهم في ارتفاع نسبة الحوادث يوميا.. وهناك سائقون لا يحملون رخصا لقيادة شاحنات فيتعلمون القيادة على رؤوسنا.. وسائقو هذه المركبات علموا بغياب العقوبة في الخطوط الداخلية فأطلقوا لسياراتهم العنان في سباق مع المركبات الصغيرة. وإدارة المرور تغض الطرف عن الشوارع الرئيسة في الأحياء الجديدة المكتظة بالسكان، فتأخر استكمال تلك الشوارع بوجود حفريات الصرف وتصريف السيول يجعل تلك الشوارع في حالة فوضى وتجاوزات لا تنتهي، وقد تكون أهم المخالفات الحادثة هي السير العكسي، إذ تجد سائقا مستهترا يخترق الشارع من أوله لآخره من غير أن يجد العقوبة الرادعة لاستهتاره، وهذا يقتضي تفعيل الأجهزة الإلكترونية القادرة على ضبط مثل هذه المخالفات والمحافظة على أرواح الناس، وخصوصا الأطفال، فجل تلك الشوارع الرئيسة (في الأحياء الجديدة) بها مدارس وأسواق ومتاجر. الأمنية التي ما زلنا نذكرها ونرددها على مسامع إدارة المرور الاهتمام الشامل، وأن لا تكتفي بأداء الدور في أدنى مستوياته، بل الجد وإيقاف كل هذا الاستهتار، فالمستهتر لا تردعه إلا العقوبة التي تقلم سلوكه المتعدي على حقوق الآخرين. [email protected]