من الأقوال التي تحفل بها كتبنا القديمة، ويتلقفها الناس مهللين مرحبين عبارة (غيرة المرأة كفر، وغيرة الرجل إيمان)!! سبحان الله العظيم!! كم هو عجيب غريب أمر هذه الغيرة!! كيف يمكن لها أن تتغير هذا التغير الهائل فتنقلب في لحظات من قبح إلى حسن ومن حسن إلى قبح!! كيف يحدث هذا الانقلاب الخطير؟ ولم؟ لم (غيرة المرأة كفر، وغيرة الرجل إيمان)؟ أليست الغيرة سلوكا واحدا، ومن المتوقع أن يكون لها شكل وصفة واحدة؟ فما بالها في كتبنا وعلى ألسنة الكثيرين منا، تضحي سلوكا تتغير صفته وشكله ونوعه ورائحته بحسب (نوع) مصدره، فإن كان المصدر ذكرا، اكتسبت الغيرة جمالا وبهاء وسموا، وإن كان المصدر أنثى، تلطخت الغيرة بالقبح والسوء والبغي؟!! هذه العبارة غالبا يرددها الرجال، ومن المتوقع أن يصم الرجل غيرة المرأة بالكفر ويعد غيرته إيمانا، فذلك أمر يريحه ويمده بالرضا، هو يدرك أنه لا يمكنه أن ينفي عن نفسه الوقوع في الغيرة، وما دام لا يمكنه ذلك فما أقل من أن يزين الغيرة حين صدورها منه، ليس هذا فحسب، بل يرفع من شأنها ليجعلها من السمات الأخلاقية العليا! رؤية عيوب الذات تؤلم لذلك يغلب على الناس العمى عن رؤية عيوبهم، فلا تثريب على الرجل إن هو لم يستطع أن يرى الكفر في غيرته ورآه جليا واضحا في غيرة المرأة!! طبعا لا يغيب عن ذهني أن هناك الآن من يدافع بحماسة عن تلك العبارة، معللا صدقها بوجود اختلافات بيولوجية ونفسية بين المرأة والرجل، تحتم اختلاف شكل الغيرة عند كل منهما. وما يغلب على الظن أن مدافعا كهذا غالبا ينسى أو يجهل أن ربط بعض القيم والفضائل بالمرأة وحدها، ما هو إلا صناعة بشرية، أما في الدين فلا شيء من ذلك، في الدين تربط القيم والفضائل بالسلوك الإنساني عامة بلا تفرقة بين أنثى وذكر، وفي القرآن الكريم، والسنة الشريفة تطبق العقوبات والحدود الجزائية على المخطئين من الجنسين متماثلة، لكن عين البشر التي ترى ذنوب المرأة أقبح عشر مرات من ذنوب الرجل، أبت إلا أن تطبق رؤيتها تلك حتى على القرآن الكريم فتستنتج منه ما يوافق فهمها الخاص كقول بعض المفسرين أن الله سبحانه قدم ذكر (الزانية) على (الزاني) في قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} لكون الزنا من المرأة (أقبح) من الرجل!! (رأي لا يدعمه دليل)، لكنها العين الذكورية تأبى أن ترى الذنب الواحد متماثلا في القبح لدى الجنسين. وإذا كان هذا هوالموقف من القرآن الكريم الذي لا يبدو فيه أي تفريق في قبح الذنوب بحسب جنس فاعلها، فإنه لا غرابة إذن إن مسخت غيرة المرأة لتصير (كفرا) وقدست غيرة الرجل لترتقي فتصير (إيمانا)!!