يوما بعد يوم، تظهر لمجتمعنا «أنياب» الخادمات اللاتي يستقدمهن المواطنون أملا في أيادٍِ حانية على الأبناء، وبدلا من الرعاية يستيقظ المجتمع على جريمة قتل فلذات الأكباد، لا لذنب سوى لتهيؤات الخادمات أو لأمور نفسية تعتريهن، فتحول أجساد البريئات إلى برك من الدماء. ماذا يحدث، وهل يعقل أن تصبح الخادمات خنجرا في خاصرة الأسر، وكيف يمكن أن نأمن على أطفالنا، وهل السجل الأمني أو حتى النفسي الذي يمكن أن تصدره بلاد تلك الخادمات، وهو عرضة للتلاعب أو حتى التزوير، كافٍ لأن نغط في نوم عميق وندع الخادمات يسرحن ويمرحن بين أطفالنا، وهل يمكن أن يكون الخوف مسيطرا علينا لتتحول كل الخادمات إلى مجرمات حتى يثبتن العكس. تزايد الجرائم دفع تزايد الجرائم التي ترتكبها الخادمات، خصوصا الإثيوبيات في المجتمع السعودي ضد الأطفال، إلى تخوف عدد من المختصين في القانون والاجتماع وحقوق الإنسان، مطالبين المسؤولين والمعنيين بدراسة عميقة للحالات وإيجاد حلول جذرية للمشكلة، حيث أوشكت أن تكون ظاهرة، خصوصا أن الإحصائيات تدلل على أن عدد الجرائم التي سجلتها العاملات والخادمات الإثيوبيات خلال 8 أشهر الماضية بلغت 10 جرائم بين القتل والطعن والضرب القاتل وسكب زيت الطعام. ففي شهر صفر الماضي، قامت خادمة أفريقية بالتهديد بالقتل باستخدام الساطور في محافظة العلايا، وفي جمادى الآخرة قامت خادمة إثيوبية بقتل مواطنة بضربة فأس على رأسها جنوبالطائف، أما في شهر رجب الماضي فسجلت أربع جرائم مختلفة، منها جريمة في مكةالمكرمة قامت فيها الخادمة الإثيوبية بتسديد ثلاث طعنات لابنة مكفولها، وفي الرياض قامت خادمة إثيوبية أخرى بطعن مكفولتها 33 طعنة تسببت بمقتلها، وفي محافظة الدوادمي قامت عاملة إثيوبية بحرق أفراد أسرة بسكب زيت طعام ساخن بعد غليانه، وتسببت في حرق الزوج والزوجة بحروق من الدرجة الأولى، وإصابة اثنين من الأبناء بحروق متوسطة، وفي الرياض قامت خادمتان إندونيسية وسريلانكية بقتل الطفل عبدالله البالغ من العمر 10 سنوات بنحره بالسكين. ولم تقف دراما جرائمهم عند ذلك، ففي شهر رمضان الماضي سجلت الجهات الأمنية ثلاث جرائم أخرى، منها تعدي خادمة إثيوبية على مواطنة ثمانينية مقعدة بمدينة الطائف بالضرب المبرح، وقبل عيد الفطر الماضي بخمسة أيام قامت خادمة إثيوبية في تبوك بقتل الطفل محمد البلوي والبالغ من العمر 5 سنوات بعد ممارسة أبشع أنواع التعذيب في حقه، وعاملة أفريقية أخرى قتلت مسنة ستينية بعد هذا الحدث ب24 ساعة، وفي مدينة الدمام تحديدا، بعد تسديد عدة طعنات بجسمها تسببت بمقتلها، ولم تمضِ عشرة أيام حتى اختتمت الجرائم خادمة إثيوبية بقتل الطفلة فاطمة وتسديد طعنات لشقيقتها التي ترقد حاليا في مستشفى الملك فهد بجدة. يقول المستشار الإعلامي في هيئة حقوق الإنسان الدكتور عمر الخولي إن رأيه الإنساني تجاه جرائم الخادمات ضد الأطفال داخل المجتمع السعودي أنه متعاطف ويرفض هذه الجرائم، ومتعاطف ضمنيا مع أسر وأهالي الأطفال الذين فقدوا أطفالهم على أيدي الخادمات والعاملات الأفريقيات والإثيوبيات منهن، وأن نتائج العقوبات ومن منظور القضايا والحكم يقررها القضاء بعد التحقيق والاستماع حسب النظام القضائي المتبع. وأضاف: يجب على الجهات المسؤولة النظر لهذه الظاهرة، ولا بد من تناولها من زوايا متعددة إنسانية واجتماعية وقانونية وعقائديه وعلاجها من زوايا اجتماعية ونفسية، وإذا رغبنا في البحث عن حلول لهذه المشكلة يجب تناولها بصورة أعمق وأوسع بعيدا عن الآراء الشخصية. وأشار إلى أن قتل الأطفال على يد الخادمات الإثيوبيات والإفريقيات والإندونيسيات أوشك أن يتحول إلى ظاهرة، ولا بد من أن يكون هناك إجراءات وقائية وصارمة في هذه المسألة، موضحا أن شعور الناس تجاه الجرائم واحد، ولا بد من التوصل إلى إجراءات صارمة للحد من هذه الظاهرة. غريبة ودخيلة ويقول مدير إدارة الخدمة الاجتماعية والنفسية في صحة جدة طلال الناشري إن جرائم القتل للأطفال جرائم غريبة ودخيلة وجديدة وتعددها من جنسية محددة أو معينة يثير التساؤلات، ولا بد للجهات الرسمية من التوصل إلى معلومات دقيقة لإيجاد حلول جذرية لهذه القضية. وتساءل الناشري عن كون هذه الجرائم معتقدات خاطئة لدى الخادمات الإثيوبيات، أو تقدم كقرابين، أو أن الخادمات يتلقين تهديدات من بلدانهن بضرورة قتل الأطفال بدوافع إجرامية لا يعملها أحد.. كل هذه التساؤلات يجب على المسؤولين الأخذ بها ودراسة القضية دراسة عميقة والتوصل إلى حلول جذرية. وطالب الجهات المعنية بوضع أنظمة قاسية للحد من هذه الجرائم، وإذا لم نتوصل إلى معلومة كافية وشافية تقف وراء حقيقة قتل الأطفال، يجب علينا إيقاف استقدام الخادمات من الجنسيات التي تقوم بجرائم الأطفال، والواجب دراسة ومعرفة الحالات والتعامل مع سفاراتهن والتعاون معهم، والبحث وراء الحقيقة، والتوصل إلى الأسباب إن وجدت، أو استخراج قرار يقضي بمنعهن من العمل. وأوضح أن جرائم قتل الأطفال انتشرت في جميع مدن المملكة بطريقة عشوائية، ولكن الهدف واحد وهو قتل الأطفال، ويجب دراستها بطرية سليمة للوصول إلى حلول نهائية عن هذه الجرائم. دراسة عامة ومن جهتها، قالت الاستشارية النفسية سميرة الغامدي أنه يجب عدم التركيز على جرائم الخادمات من قبل الإثيوبيات فقط، ويجب دراسة الموضوع من نواحٍ متعددة ومختلفة للوصول إلى حلول علمية، مشيرة إلى أن مكاتب الاستقدام في الآونة الأخيرة أصبحت تستقدم خادمات من قرى نائية بسبب رخص أجورها، وهذا تسبب بكثير من المشكلات. وطالبت الغامدي بضرورة التركيز على التكوين النفسي للخادمة وطريقة التعامل معها، ويجب متابعتهن والاهتمام بهن، ومعرفة أحوالهن النفسية، وعدم ترك الأطفال لهن بسهوله، مشيرة إلى أن فحص الخادمة نفسيا قبل استقدامها أهم بكثير من فحصها جسديا وخلوها من الأمراض الجسدية. أوقفوا الاستقدام من جهته، دعا المواطن عبدالهادي المطيري إلى ضرورة إيقاف الاستقدام من دولة إثيوبيا فورا، بعد ازدياد نسب جرائم القتل ضد الأطفال في المملكة منذ فتح باب الاستقدام من إثيوبيا. وتعليقا على ما يثار حول أن «هناك قرى في إثيوبيا تعتبر ذبح الطفل وتقديمه قربانا»، قال: «هذه المرة الأولى التي أسمع بهذه المعلومة، ولذلك أقول إن الأمر زاد على حده، ويجب إيقاف الاستقدام من إثيوبيا حتى تتم دراسة الأمر والتثبت من هذا». وطالب بإيجاد عيادات نفسية للعمالة للتأكد من صحتهم العقلية والنفسية، مشيرا إلى أن الفحص النفسي أهم من السريري؛ لأن المريض النفسي قد يقوم بالكثير من المشاكل وجرائم تصل إلى حد القتل. وأوضح أنه سمع وقرأ عن عدة جرائم للخادمات، منها ملاحقة أثيوبية لعائلة بساطور في القطيف، وبين أن هذه الحادثة ليست الجريمة الوحيدة التي يكون طرفها خادمة من إثيوبيا، ففي القطيف نجت امرأة سعودية (35 عاما) وأطفالها الثلاثة بصعوبة من الموت على يد خادمتهم التي حاولت قتلهم بساطور بعد أن لجأوا إلى غرفة في منزلهم، وذكرت الأم في حينها أن الخادمة كانت تحاول قتل طفلتها ذات السادسة من عمرها، وتمكنت المرأة من الاتصال بأقاربها الذين وصولوا إلى المنزل سريعا، لبدء محاولات أخذ الساطور من يد العاملة قبل أن ترتكب جريمتها، إلا أنها لم تستجب حتى وصل رجال الأمن وألقوا القبض عليها متلبسة. وتساءل المطيري: لماذا لم يعمل المسؤولون والمعنيون بهذه الظاهرة على إيجاد حلول لها. قصص واقعية وأضاف المواطن خالد عبدالكريم أنه عايش قصة لأحد أصدقائه، وذلك بعد أن قامت خادمة من الجنسية الأثيوبية بنحر طفلة في منزل عائلتها في حوطة بني تميم دون سبب واضح، وحاولت قتل شقيقتها، ولكن صراخ الطفلة الأخرى أيقظ والدها ليجدها غارقة في دمائها وهي تبكي والسكين على فراشها. وتابع المواطن محمد منير سلسلة الانتقادات ضد الخادمات الإثيوبيات بقوله: إن جرائم الاعتداء بالقتل والحرق والنحر وغيرها من الطرق ضد الأطفال في تزايد في مجتمعنا، ورغم أن الإحصائيات والأرقام تؤكد أن الحوادث لن تتوقف، إلا أنه لا يزال المعنيون ينتظرون إجراء دراسة كبيرة وعميقة في هذه الظاهرة، ويقومون بإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، وهذا الكسل من الجهات المعنية والمسؤولة، وعلى رأسها وزارة العمل والعمال، قد يطول كثيرا؛ لذلك لا بد من زيادة وعي المجتمع نفسه بهذه العمالة والجرائم التي تقوم تنجم عنها، فرب الأسرة أو ربة المنزل ليسا معنيين بدراسة أسباب قتل الأطفال من قبل الخادمات الإثيوبيات، ولكن يجب أن تكون واعية فكريا في عدم الاستقدام من هذه الفئة حتى تتحرك هذه الجهات المماطلة في وضع قوانين لحماية أطفالنا. وطالب منير بإيجاد عيادات نفسية للعمالة للتأكد من صحتهم العقلية والنفسية، مشيرا إلى أن المشكلة الحقيقة ليست محصورة في العمالة الإثيوبية وما أشيع عن السحرة وتقديم القرابين من الأطفال ليتم إيقاف الاستقدام منها، والشواهد كثيرة لنفس الجرم وقع من جنسيات أخرى، لكن الأمراض النفسية منتشرة، وأغلب الجرائم الوحشية يرتكبها مرضى نفسيون بصورة مفاجأة وغير متوقعة تماما على حسب حالتهم، منهم من قتل أباه، ومنهم من قتل عائلته، ومنهم من انتحر، موضحا أن المريض النفسي يبدو شخصا عاديا، وفي الأغلب لا يبوح بأفكاره إلا القليل، تجده دائما شارد الذهن، ومن يلاحظ شيئا كهذا على خادمته فليتعامل مع الأمر بجدية.