مع بداية كل عام دراسي ينشغل الرأي العام ويغرق المجتمع بأفراده ومؤسساته بمشكلات التعليم التي لا تبدأ بالتربية ولا تنتهي بالتعليم. فأزمات التعليم تشل أغلب المؤسسات من المرور إلى الصحة والمواصلات والنقل والإعلام. فمن أزمات المدرسين إلى المناهج والمدارس والتقنية. فما هو مقياس نجاح التعليم وفشله؟. وإذا كان للتعليم هدف في المملكة ما هو هدفه؟ وهل يوجد لدينا سياسة تعليمية؟ ما هي السياسة التعليمية لوزارة التربية والتعليم؟ لماذا يذهب أبناؤنا وبناتنا للمدارس كل عام؟ وكيف نعرف إذا تحقق الهدف من التعليم؟ في أغلب الدول، يتلازم التعليم مع خطط الدولة، ويتناغم مع توجهاتها الاقتصادية والتنموية والسياسية والثقافية على مدى سنوات، وهو جزء من الاستراتيجية الوطنية الشاملة. في ألمانيا التي تعد الأقل بطالة بين الدول الأوروبية، فإن أكثر من 70% من الشباب يختارون التعليم المهني من خلال إتاحة أكثر من 400 مهنة بما يسمى التعليم المزدوج بين النظري والتطبيقي، والبقية يلتحقون بالجامعات، حيث نجحت ألمانيا في توفير العمالة المتخصصة الماهرة. في البرازيل المصنفة بأنها الدولة الثانية في العالم من حيث الإنفاق على التعليم حسب منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، أحدثت تغييرات جذرية بأنظمتها التعليمية لتستجيب للمرحلة والمستوى الاقتصادي والصناعي الذي اختارته البرازيل لنفسها، حيث اعتمدت معايير الجودة التعليمية لتدريب وتأهيل المدرسين والإداريين، فقد نجحت بإعادة ما يقارب مئة ألف طالب من أطفال الشوارع وعمالة الأطفال للتعليم. وأبرمت البرازيل عقودا مع شركات التقنية الكبرى لابتكار طرق جديدة للتدريس وإدارة التعليم. في اليابان، ذات المساحة الصغيرة (377.930) ألف كم والفقيرة في مواردها الطبيعية، ولا يصلح للزراعة إلا 29 % من أرضها بسبب الجبال والغابات، فضلا عما تشهده اليابان من زلازل وبراكين وعواصف وأمطار بشكل شبه يومي، أدركت اليابان أن السبيل الوحيد لتعويض مشكلاتها الطبيعية بالموارد البشرية، فكان نظام التعليم الأكثر جدية في العالم، حتى أن الطالب يمضي في المدرسة أكثر مما يمضيه من وقت في البيت، وأن الدولة وليست الأسرة هي التي تربي الإنسان. أما كوريا الجنوبية التي تعد تجربتها حديثة في التعليم نسبيا، فقد تصدرت تجربتها تجارب دولية مرموقة وحظيت بمراكز مرموقة حسب معظم برامج التقييم الدولية مثل البرنامج العالمي لتقييم الطلبة ومؤشر التعليم خاصة تجربتها في مجال الرياضيات والقراءة والعلوم، فتقدمت على الآسيويين وحتى على فنلندا. لقد انصب اهتمامها على نقل النظم التعليمية الغربية المرموقة وتطويرها، وكان محور اهتمامها في ذلك هو المعلم وذلك بسبب تركيزها على تأهيل وتدريب المعلم المتكامل في المعرفة والمهارة والشخصية والنفسية. وكوريا الجنوبية هي الوحيدة حسب معرفتي التي تقرن التربية بالموارد البشرية فلديها وزارة التربية والموارد البشرية. أما جنوب أفريقيا والتي احتل عدد من جامعاتها مراكز متقدمة عالميا ولعقود طويلة في جميع التصنيفات، فمنذ زمن بعيد وهي تحظى بتحديث كبير وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة التعليمية. وأفرزت ما يسمى الجامعات الشاملة، وهو توجه جديد يدمج الجامعات العريقة مع جامعات التكنولوجيا. ونجحت الدولة في تعميم التعليم بالمجان بعد أن كان حكرا للرجل الأبيض. وقد اهتمت بنوع من المدارس الذي يمزج ما بين التعليم والتغذية للطلاب، للتغلب على ظروف الطلاب الفقراء. تتربع جنوب أفريقيا منذ القرن التاسع عشر على المراكز الأولى في القارة السمراء بالتعليم. خلاصة القول، هذه دول وأمم آمنت بأن التعليم الذي لا يتناغم مع الخطة الأساسية للدولة، هو عبء يصيب المجتمع والدولة بالشيخوخة والترهل. فمن أجل ذلك هذه تجارب دولية وغيرها الكثير من التجارب في نظم التعليم التي تعد تنفيذا لسياسات عامة وخطط تنموية لتلك الدول، هذه الدول وغيرها جعلت التعليم تحقيقا لطموحات وتطلعات دولها. أما نحن، فالتعليم لدينا مشكلة بذاته وأوقعنا في سلسلة من المشكلات والأزمات، فبدلا من أن يكون حلا لمشكلات مجتمعنا، وتحقيقا لتطلعات أبنائنا وطموحات بلادنا. فقد أسهمت بعض عناصره في زرع بعض الأفكار الشاذة في مجتمعنا، فضلا عما تسبب به التعليم من أمية في اللغة العربية واللغة التقنية والعلمية. إن من يتحمل مشكلة التعليم لدينا ليست وزارة التربية والتعليم فقط، إنما تتحملها وزارة التخطيط في المقام الأول، هذه الوزارة الفوقية والتي تقبع في برجها العاجي، يجب أن تهبط إلى الواقع وترتقي به، فلا يجوز أن تبقى معتزلة الحياة لحاضر ومستقبل هذا البلد ومؤسساته التي تعمل كل واحدة منها في عالم غير منسجم وغير متناغم مع الجهاز والأجهزة الأخرى. فلا يجوز أن يترك التعليم في بلادنا مطبخا للأمراض النفسية والاجتماعية ويتسبب لنا ولغيرنا بمشكلات بدلا من أن يكون أفقا وأرضية للحلول.