بعد انتظار دام عشرين عاما، وصلت شبكة المياه إلى منازل حي الخالدية بمكة المكرمة قبل عامين، ففرح الأهالي وتبادلوا التهاني وسط الشارع العام بالمخطط وسط بواري السيارات، ولكن سراقا طافوا في ليلة واحدة على عدادات المياه المثبتة على جدران العمارات والفلل والمساجد ونزعوها نزعا، فكان ما سرق يزيد على مائتي عداد، قيل يومها إن السراق يأخذون ما في داخلها من نحاس أصفر لبيعه بعد صهره، وقد كتبت في هذه الزاوية عما حصل في حينه، وتم تعويض السكان بعدادات جديدة، وكثفت الدوريات الأمنية جولاتها المسائية، فصرف الله السراق عن معاودة الكرة مرة أخرى! وقد رأى بعض سكان الحي، وأنا منهم، اتخاذ إجراء للحفاظ على العداد من السرقة؛ أخذا بالحكمة القائلة إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فأتينا بحدادين مهرة قاموا بعمل أقفاص للعدادات لعل وجودها يمنع سرقتها «اعقلها وتوكل»، ومشى الحال نحو عام، ولكن السكان فوجئوا بملصقات من شركة المياه تطلب منهم مراجعتها للتفاهم حول ما اعتبرته مخالفة «إخفاء العداد»، فتقاطر أهل الحي على إدارة الشركة، فأجبروا على دفع ألف ريال غرامة على قيامهم بتركيب قفص حديد لحماية عداداتهم، مع علم الشركة أنهم اضطروا لذلك بعد ما حصل من سرقة واسعة وشاملة لعدادات مياه الحي كله، وكان ينبغي على الشركة تركيب قفص أو صندوق عن طريقها لكل عداد يكون لديها مفاتحه ونسخة لصاحب العقار، حتى لو أن ذلك برسوم يدفعها المالك لمرة واحدة، ولكن الشركة لم تفعل، وفضلت الاكتفاء بتحصيل الغرامة المبالغ فيها، وقد دفعت مثل غيري تلك الغرامة، ودفعت أيضا أربعمائة ريال رسوم تأمين للعداد في حالة سرقته للتعويض بدلا عنه؛ بشرط تقديم بلاغ للشركة عن السرقة يبنى عليه محضر رسمي من الشرطة يؤكد وقوعها وأن العداد سرق من جديد! وكان مراجعون تساءلوا عن الموقف فيما لو أنهم رفضوا دفع الغرامة، فكان الجواب هو أن المياه سوف تقطع عنهم، فلم يكن أمامهم من حل سوى الإذعان ودفع الغرامة عن يد وهم صاغرون! وخلاصة القول إن أصحاب العمارات والفلل، في حينه، لم يجدوا من يحمي عداداتهم من السرقة، فلما قاموا بحمايتها فرضت عليهم غرامات باهظة، مع إنذار بوجوب إزالة القفص الحديدي وإلا تكررت الغرامة وزادت، وقد قمت شخصيا بإزالته فورا وأنا أحوقل؟!.