غزة واجهت مصيرها وحدها بينما أخلد بعض المتاجرين بتحرير فلسطين واسترجاع القدس للراحة وانشغل بعضهم الآخر بتصفية حساباتهم مع خصومهم واستكمال تنفيذ الأجندة التي تم إسناد تنفيذها لهم لا يحيدون عنها ولا يخرجون عن حدودها. حزب الله الذي يتباهى بمواجهاته مع إسرائيل اكتفى بصاروخين في بدء الحرب يبدو أنهما انطلقا بالخطأ من جنوبلبنان باتجاه إسرائيل، حافظ بعدهما الحزب على ماء وجهه فلم يعتذر غير أن عدم إطلاق صاروخ واحد بعد ذلك على إسرائيل كان أبلغ اعتذار فهمته إسرائيل فأدركت أن شمالها قد أصبح بمنأى عن الخطر، وأن بإمكانها أن توجه قدراتها العسكرية تجاه غزة مطمئنة إلى أن المعركة الحقيقية التي يخوضها حزب الله إنما هي على الساحة السورية حماية للنظام السوري من الانهيار على يد المعارضة السورية، مطمئنة إلى أن مفهوم الجهاد لدى حزب الله ليس جهادا قوميا لدعم النضال الفلسطيني ضد إسرائيل كما أنه ليس جهادا دينيا يستهدف تحرير القدس من يد من اغتصبوها، وإنما هو جهاد طائفي يسعى إلى تفتيت الجبهة الإسلامية، وتنفيذ الأجندة التي تحقق لطهران ما تريده من توسيع نفوذها في المنطقة. أما إيران التي تتباهى بصواريخها القادرة على ضرب تل أبيب فلم تحرك هي الأخرى ساكنا، ولم تسرب جنودا من هذا الفيلق أو ذاك لدعم حماس أو نصرة غزة كما فعلت حين أرسلت فيالقها العسكرية للوقوف مع نظام الأسد في سورية أو لدعم حكومة المالكي في العراق، ولا ضير عليها إن خذلت حماس التي وثقت فيها، وراهنت على العلاقات معها واطمأنت لدعمها لها، لا ضير عليها من خذلانها لمن وثقوا فيها فحسبها أن تنال ثقة إسرائيل فتطمئن إلى أن حديثها عن تحرير فلسطين واسترجاع بيت المقدس مجرد «هياط» سياسي، وبذلك تبقى منشآتها النووية بمنجاة من أي عدوان إسرائيلي مادامت إسرائيل قد تفهمت حقيقة الدور الإيراني الذي يمكن اختصاره في تحرير المنطقة العربية من العرب والسنة وليس تحرير فلسطين من اليهود. أما داعش ودولتهم التي يزعمونها إسلامية والنصرة وإمارتهم التي أرادوا بها منافسة خلافة العراق والشام فيبدو أن مجاهديهم لم يسمعوا بغزة، ولم يعرفوا أن القدس ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي وحين قلبوا دفاترهم وراجعوا أجندتهم التي حددتها لهم الاستخبارات الأجنبية اطمأنوا أن جهادهم لا يمتد لخارج الحدود المرسومة لهم وبذلك لا يعنيهم من أمر غزةوالقدسوفلسطين شئ. الحرب على غزة لم تفضح وحشية إسرائيل فحسب وإنما فضحت أكاذيب المتاجرين بالقضية الفلسطينية والمتاجرين باسم الجهاد كذلك.