لطالما صادر المتشددون فرحة الناس وبهجتهم في كل المناسبات السعيدة: الأعياد والأعراس وحفلات التخرج والميلاد وما إلى ذلك مما يستحق الاحتفال والاحتفاء والفرح والسرور. لأسباب واهية، ومواطن خلاف متعددة، خسر الناس الكثير من سنواتهم وأيامهم وأوقاتهم السعيدة لحساب هذا التشدد الذي يصر على وضع الناس في كل حين في مغبة الحزن والهم والكآبة و(التكشيرات) الرائجة. نسي هؤلاء، في خضم تشددهم وتحميلهم الأمور أكثر مما تحتمل، أن الإنسان مدعو ليروح عن نفسه متى واتته فرصة هذا الترويح. وسيطروا لردح من الزمن على فعاليات المدن والقرى والأحياء يسوقونها على طريقتهم وكما يحلو لهم دون أن يكون هناك موقف واضح من تسببهم في (إلغاء الفرح) وسرقة البهجة من النفوس المتعبة والمرهقة في السعي خلف معاشها وهموم عيالها. هذا العام يبدو أن الأمر تغير بعض الشيء، حيث عادت (الاحتفالات المختطفة) إلى واقعها السابق: واقع الآباء والأجداد والبساطة، والسماح للفرح بأن يتسلل إلى نفوس وقلوب الكبار والصغار والرجال والنساء في مظاهر احتفالية بالعيد شهدتها الكثير من مدن وقرى المملكة. في مدينة الرس مثلا كان هناك متغير واضح في إدارة أفراح العيد، حيث حضرت الفرق الغنائية وتعددت الفقرات غير التقليدية، التي أسعدت الأطفال كما أسعدت أهاليهم الذين اكتشفوا فجأة أن هناك مكانا في نفوسهم للسعادة لا يدرون كيف فقدوه في السنوات الماضية التي جثم فيها على صدورهم تيار التشدد. وكما سمعت من أكثر من (رساوي) فإن الاحتفالات المبهجة لم تسلم من تقولات وتخرصات المتشددين الذين يصرون على أنهم أكثر تدينا وقربا من الله من غيرهم. كأن الأهالي، كما قال أحدهم، قادمون من كوكب آخر وليسوا من أبناء المملكة الذين يعتزون بدينهم وعاداتهم وتقاليدهم. وكالعادة كان مما رمى به المتشددون احتفالات الرس المبهجة تهمة الاختلاط. أي أن القوم لا يزالون يدورون حول المرأة وظهورها أو دفنها في حياتها قبل مماتها. والحقيقة، بالمناسبة، أنه لا اختلاط ولا هم يحزنون، فمرة أخرى ليس أهل الرس خارجين على القواعد والتقاليد المرعية. كما أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينة نظمت حضور النساء للفعاليات وحضرت في المكان وشاركت المنظمين في تحقيق نجاح مهرجانهم، فأين المشكلة إذن؟ المشكلة ببساطة أن المتشددين لا يحبون الفرح، لأنه لا يتسق مع نفسياتهم الساخطة على كل صغيرة وكبيرة.