ما يعنيه العنوان أعلاه أن ما يمر بنا كل سنة (عيد ليس بعيد) لأننا لا نشعر فيه بالفرح والبهجة والسرور، فلماذا أصبح يوم العيد كسائر الأيام أو حتى أقل من بعضها حضورا وبهجة؟! السبب أننا أمة العرب خربنا بيوتنا وبهجتنا بأيدينا حين أصابنا التطرف والتشدد وعمتنا البغضاء وصعبنا كل شيء وجعلناه يحمل أكثر مما يحتمل. منذ عقود ونحن لا يمر بنا عيد إلا وفينا مكلومين ومقتولين ومعوزين ومشردين وضائعي وضائقي الحيلة، ثم يأتي العيد التالي والحال هو الحال، بل أحيانا أسوأ مما كانت عليه. أنا فعلا آسف لتسويد (عيدكم) لكنني غير قادر على رسم حمامة ترفرف فوق تراب غزة أو بساتين سوريا أو أنهار العراق أو نجوع مصر أو واحات ليبيا وجبال اليمن. كل الأعياد في عيون التائهين العرب سواء، والأم العربية الثكلى في كل مكان لا تستطيع وإن حرصت أن تختم صلاتها بابتسامة رضا، ولا تستطيع الزوجة الفاقدة لحبيبها أن تضحك لأقدار العيد الحزينة والمتربصة بفرحها وفرح صغارها، والشيخ الكبير الذي ربما قضى أعيادا حلوة في شرخ شبابه يعالج الآن دموع مآقيه الحسيرة بعد سلامه صباح يوم العيد على مجموعة المقبورين من أبنائه وبناته وجيرانه وأحبائه. لا أستطيع الضحك عليكم ولا على نفسي فليس هناك عيد لمجرد حلول يوم العيد. العيد فرحة كبرى وفرحتنا كعرب مقبوضة بيد من حديد: تخلف وجهل وعري وفقر وتقاتل وطائفيات ومخيمات، وليس في الأفق، مع بالغ الألم، سوى المجهول. وإلى أن يحين عيد عربي سعيد سيبقى الأمل معلقا في رجاءات الانعتاق في كل الأزمنة والأمكنة العربية المنكوبة والمقهورة من متطرفيها وغربانها الذين يرقصون على جثث الموتى وينعقون فوق أكفان الفرح. إذن عيدوا كما شئتم وقبلوا بعضكم كما شئتم وتبادلوا التهاني كما شئتم، لكن لا تنسوا أبدا أنكم تمثلون العيد ولا تعنونه إطلاقا، لأن (الغصات) أكثر من احتمال حلوقنا وأقوى من ظهورنا وقلوبنا.