عندما دخلت الطائرة وقبل أن أجلس على مقعدي، شلحت معطفي ومددته للمضيفة لكي تعلقه، وذهبت به مشكورة، وما هي إلا دقيقة وإذا بها تعود لي قائلة: هل أنت متأكد أن معطفك ليس به أغراض؟!، فجاوبتها مازحا: ليه انت فتشتيه؟! فنفرت وتراجعت المسكينة قائلة: أعوذ بالله، إنني فقط حريصة عليك، ولكن بعدين أقول لك. جلست مرتاحا لعدة دقائق، غير أن (الفار بدأ يلعب بعبي) فذهبت إلى خزانة الملابس فوجدت أن في معطفي فعلا بعض النقود والكروت، أخذتها وعدت إلى مقعدي مطمئنا. وبعد أن أقلعت الطائرة، وأعلن الكبتن فك الأحزمة، وشربت كأس العصير من يد المضيفة، قلت لها: بعد أن تهدأ الرحلة سوف آتي إليك لتحدثيني عن الذي أشرت به إلي، فهزت لي رأسها وهي تبتسم علامة الموافقة. وما أن تأكدت أن الأمن مستتب حتى ذهبت وجلست بجانبها قائلا: هيا حدثيني، فقالت: هل تعلم أن اللصوص يعرفون أن السرقة من داخل الطائرات عملية سهلة، لأن الركاب مثلك لا يتوقعون السرقات ويتخيلون أن الطائرة المغلقة مكان آمن لمتعلقاتهم الشخصية وهذا أبعد ما يكون عن الواقع. ومن الأشياء المستهدفة هي معاطف الركاب التي سلموها قبل الجلوس للحفظ في مخازن خاصة ولكنها غير مؤمنة، وقد دفع هذا بعض شركات الطيران إلى التأكيد على ركاب الدرجة الأولى، ودرجة الأعمال بعدم ترك نقود أو أغراض ثمينة في معاطفهم قبل تسليمها قلت لها: شكرا، ولو أنني لم أكن مزكوما لقبلت الآن طرف أنفك على هذه المعلومة والنصيحة. ويبدو أن إطرائي لها قد بدأ يفعل فعله، لأنها تضاحكت وهي تقول لي بما معناه ، لا وأزيدك من الشعر بيت. فقلت لها قبل أن تنهي كلامها: أرجوك زيديني. فقالت: انتبه حتى (للرف) العلوي الذي تضع عليه حقيبتك لأن اللص يعتمد على أن الركاب نادرا ما ينظرون إلى راكب آخر يفتح رف الحقائب العلوي فوقهم حتى لا توصف نظراتهم بالتطفل، ويستغل اللص هذه الظاهرة أسوأ استغلال من أجل تحقيق أغراضه، بسلب ما في الحقيبة. قلت لها: جزاك الله ألف خير، وإن شاء الله أن نصيحتك هذه سوف تكتب في ميزان حسناتك، فتراقصت قليلا وهي جالسة قبل أن تقوم ملبية طلب أحد الركاب. وأذكر في رحلة من رحلاتي السابقة عندما توقفت الطائرة (ترانزيت) لمدة ساعة في أحد المطارات، وذهبت للحديث مع أحد الركاب، تاركا على طاولتي ظرفا فيه جواز سفري وبعض المتعلقات، وما أن حانت مني التفاتة حتى فوجئت بأحد العمال الذين دخلوا لتنظيف الطائرة، وهو يأخذ الظرف ويرميه في كيس الزبالة الذي معه، فسارعت لالتقاطه من الكيس وأنا ابتسم وأهز له رأسي بمعنى أنني (كفشتك) ، فبادلني هو الابتسامة وهزة الرأس، وزاد عليهما قائلا لي: شكرا.