شغل تفكيري منذ ردح من الزمن ولا زال يشغله هو سؤال جوهري يقول: هل النجاح مقترن بالذكاء أو العبقرية؟! والعكس أيضا صحيح وفي ظني أنه لا شك مقترن بها إلى حد ما، ولكن ليس في كل الأحوال. وقد أتيح للعلماء دراسة مثل هذه الشخصية من حين لآخر، وهم يسمون صاحبها العبقري الغبي، أو العالم الجاهل، وهو وصف ينطبق على غلام اسمه (لويس). عندما كان بين الحادية عشرة والرابعة عشرة من عمره كان علماء النفس يفحصونه بانتظام وكانوا يجدون أن في استطاعته أن يحدد في الحال اليوم الذي يقع فيه ميلاد أي إنسان إذا ذكر له التاريخ. وكان يعرف تواريخ السنة الكبيسة في قرنين متواليين، كما كان في مقدوره أن يتهجى مجموعة كبيرة من الكلمات من اليمين إلى اليسار وبالعكس، ولكنه في النهاية قضى بقية حياته كسائق اتوبيس للنقل العام. وإليكم نموذج آخر يقال له (توم)، وهو طفل أسود، تعلم عزف (البيانو) بالسماع، وفي الثانية عشرة من عمره، ذهبوا به إلى نيويورك، وفي الحفلات الموسيقية التي أقامها كان يعزف نغمة بيده اليمنى وثانية بيده اليسرى. وكان يذكر خمسة آلاف قطعة موسيقية، ولكنه كان من ضعف العقل بحيث لا يستطيع أن يتعلم قراءة (النوتة)، وعندما كانت تصفق له الجماهير استحسانا، لم يكن يدرك معنى التحية الموجهة إليه، فكان يشاركهم التصفيق. وكان أساتذته يتساءلون في عجب: ترى كيف سيستخدم هذه المقدرة؟ وماذا يفعل بها؟ ولكن عجبهم لم يدم طويلا، ففي سن العشرين ذهب إلى تكساس، حيث عين أستاذا للرياضيات، ثم لم يلبث أن ضاق ذرعا ولم يجد في نفسه القدرة على الاستمرار في مهنته واستقال. وانتهت حياته موظفا بسيطا في مكتب أحد رجال الأعمال، شغلته المكتبية الموكل بها هي الصادر والوارد. ويقال إن هوايته الوحيدة فيما بعد التي استنفدت جل وقته وكانت هي جمع أكبر عدد ممكن من تذاكر مركبات الترام المنتهية صلاحيتها. وسؤالي الآخير هو: كم هم العباقرة الأذكياء الذين أكملوا مسيرتهم بنجاح؟! وهل النجاح مقتصر فقط على العباقرة الأذكياء؟! الحقيقة أنني لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال الحاسم، خصوصا عندما أشاهد البعض من قطيع (الثيران) الذين يشار لهم بالبنان، وهم يلبسون ويتمخطرون (بمشالح الزري المذهّب). وبالمناسبة لدي ثلاثة من تلك المشالح ولا فخر، واحد أسود، والثاني بني، والثالث (تركواز). [email protected]