توارثت عائلة المهدي في محافظة الأحساء، أسرار صناعة المشالح (البشوت) على مدى قرنين. وعلى غرار هذه العائلة هناك عوائل عدة في الأحساء، تحتفظ بهذه الأسرار، وتنقلها من جيل إلى آخر. فلقد عرفت الأحساء صناعة البشوت وحياكتها منذ قرون، حتى أطلق عليها اسم «البشت الحساوي». وتذكر مصادر التاريخ أن الأحسائيين برعوا وبإتقان في صناعة المشالح يدوياً، ونشروا هذه الحرفة خلال حقب متفرقة من التاريخ، إضافة إلى تصديرهم البشوت إلى عدد من المناطق السعودية والدول المجاورة، خصوصاً إلى دول الخليج العربية، وسورية والعراق. ويذكر صانع البشوت عبدالله الخرس، ان الأحساء «اشتهرت بصناعة البشوت لقرون عدة، إذ كان البشت الأحسائي مشهوراً في الخليج العربي ومناطق أخرى. وصنع البشت هنا كاملاً، بكل تفاصيله بدءاً من الغزل ثم صناعة القماش، والتطريز بالزري. كما عرفت البحرين بهذه الصناعة أيضاً، إذ كان هناك من يخيطون البشوت على نطاق واسع فيها، إضافة إلى الشارقة في الإمارات ونزوى في سلطنة عمان. وخارج الخليج هناك البشت النجفي، المتميز بخفة القماش. ويحتل مكانة كبيرة عند أبناء الخليج». ويعد المشلح من ألبسة البدن الخارجية للرجال، وحتى الأطفال كانوا يرتدونه في الماضي. ولكنه أصبح اليوم من ملابس الحكام والرؤساء والوجهاء وعلماء الدين، وكبار العوائل. ويعزو صانع البشوت احمد القطان، هذه التسمية، إلى أن «كلمة بشت فارسية، استخدمت في الخليج والعراق على نطاق واسع، وحلت مكان الكلمة العربية الفصحى، وهي «العباءة». فيما يسميه الإيرانيون «بوشت»، ومعناها بالفارسية «خلف»، أي ما يلف على الخلف، أو ما يلبس على الظهر». ويحرص الرجال في الأعياد والأعراس والمناسبات العامة، على ارتداء المشالح، ويتفاخرون بكونها مصنوعة في الأحساء، سواءً مصنوعة من صوف أسود، أو بنياً فاتحاً، ومطرزة حوافه بخيوط الذهب (الزري). ويقول عبدالله الحمد: «يبدأ البشت من الأكتاف وحتى الرجلين، وليست له أكمام، ولكن له فتحتين من أجل إخراج اليدين من خلالهما. ويكون البشت مفتوحاً من الأمام. ولا يحوي أي نوع من أنواع الأزرار. ولكن يضاف إليه التطريز على جانبيه، من النصف العلوي وحول الرقبة بطرق مختلفة»، مضيفاً أنه «يوجد زري يبدأ من الكتف إلى فتحة اليدين». مشيراً إلى وجود نوع آخر «لا يحتوي على تطريز، ويمكن ان يستعاض عنه بوضع خيوط أخرى من الإبريسم، قريبة من لون البشت، يطلق عليها «بخية»، بل حتى هذا النوع قد يضاف إليه الزري». ويصنع البشت من صوف الجمال والماعز، إذ يتم غزله، لمدة زمنية، ثم يصنع منه القماش، الذي يكون جاهزاً لاستخدامه كبشت، وهذه هي المرحلة الأولى لإعداد مادة البشت. ويذكر القطان: «هناك أنواع أخرى من خام القطن أو الحرير، استخدمت للبشوت، إلا أنها قليلة، والسبب في قلة استخدام الحرير هو تحريمه على الرجال. ولكن استخدم الصوف أكثر من غيره، لديمومته وطول عمره. أما البدو فاستخدموا وبر الجمال على نطاق واسع. كما أنهم كانوا يصدرون المادة الخام من الجلد والصوف لمناطق الحضر، لإعدادها كأقمشة للبشوت وغيرها». ويلفت عبد الوهاب الاحمد، إلى أنه لم تكن هناك مكائن خياطة قديماً، ولذلك فقد كان البشت يعد كاملاً يدوياً. وتقوم بخياطته أيدٍ ماهرة. وهو يتكون من قطعتين رئيستين أفقيتين، واحدة تبدأ من الكتف إلى نصف الرجل، والثانية تبدأ من النصف إلى أسفل الرجلين. وما أن يحدد الشخص نوع البشت، فإنه يفصل بحسب طوله. إلا أن تطريز الجوانب يستغرق فترة طويلة، وهو أهم ما في البشت بعد نوعية القماش، ويطلق على هذا النوع من التطريز «الزري»، الذي يوضع على حواف البشت وحول الرقبة. ويصل هذا التطريز إلى نصف قامة الرجل. وقد يكون هذا التطريز سميكاً وقد يكون رقيقاً بحسب نوعية البشت ذاته، وبحسب رغبة الزبون. أما على فتحتي اليدين؛ فإن هناك شريطاً ذهبياً، يبدأ من الأكتاف إلى نهاية فتحتي اليدين. ويمرر هذا الشريط على فتحتي اليدين أيضاً، ويطلق عليه «المكسر». ويضاف إلى هذا ما يعرف ب«العميلة» أو «القيطان»، وهي خيوط متدلاة من جوانب البشت العليا، وبها كرات صغيرة ذهبية أيضاً. وكانت صناعة المشلح الواحد تتراوح بين 10 إلى 15 يوماً. وأدى دخول التكنولوجيا في صناعته، إلى اختصار المدة، إلى عشرات البشوت يومياً، خصوصاً المشلح السوري. وعلى رغم ذلك يذكر الأحمد، أنه «ما زالت الكثير من الشخصيات المعروفة تفضل البشوت المصنوعة يدوياً، بأنامل محترفة، التي تتحدى الآلة الحديثة في رسم وتطريز البشوت بصورة أكثر جمالية وجودة عالية». ويشير القطان، إلى مكونات تطريز البشت، ومنها «الخيوط» الذهبية. ويقول: «كانت تجلب من فرنسا والهند. واليوم هناك نوع ثالث وهو الألماني. كما يوجد الزري الفضي، وهي خيوط تجلب أيضاً من الخارج. وقد تكون تصاميمها تماما مثل الزري الذهبي، أو مختلفة بحسب الطلب»، مضيفاً «في حال الخياطة بالإبريسم؛ فان البشت لا يحوي أي نوع من أنواع الزري، إذ توضع عليه خيوط الإبريسم بطرق متعددة. وهذه الخيوط هي خيوط حريرية»، مشيراً إلى طرق حديثة، ومنها مزج الزري الذهبي مع الفضي، أو مزج الزري الذهبي مع الإبريسم.