الأمة في أشد الحاجة إلى صفوة عقولها الصادقة المخلصة الواعية بطبيعة واقعها وتعدد مشكلاتها في جميع التخصصات؛ لتقوم بدراسة واقع الأمة كما هو، وتستعرض مشكلاته جميعها بالتفصيل الدقيق (لا يطغى جانب على جانب). ويجب ألا تتطاول بنا.. فكم أهدرنا من أعمار وجهود ولم ننجز شيئا! وفي حال التشخيص المتكامل وبيان الأسباب الحقيقية أو ما كان عرضا لسبب ونظنه سببا؛ تقدم الحلول المبنية كذلك على دراسات متخصصة ومعمقة. وقد تحتاج بعض الأمراض زمانا طويلا لعلاجها، ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، ومشروع النهضة مشروع يقاس بعمر التاريخ لا بعمر الأفراد؛ فغالبا لا ينجز في حياة جيل واحد. وما أكثر ما تضررنا من استعجال الثمرة! وإذا كان لا بد لنا وإن في مثل هذا المدخل أن نرصد أهم أمهات المشكلات والأدواء التي هي العوائق في طريق نهضة أمتنا؛ فإننا يمكن أن نكثفها في هذه الثمانية: التسيب الأخلاقي: فالأمم كما يقول أمير الشعراء الأخلاق ما بقيت، فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا! وقد حصر النبي الأكرم صلوات الله عليه الغاية من إرساله في إتمام مكارم الأخلاق، وكذلك أشارت الآية الكريمة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وهل الرحمة إلا جماع الأخلاق الكريمة؟!. التخلف التنموي: الذي أوصل الأمة إلى الحال التي وصفها الشيخ محمد الغزالي بقوله: «إنني أخشى إن قيل لكل شيء في بلادنا: عد من حيث أتيت؛ أن نمشي حفاة عراة راجلين!». وهذا التخلف عميق في بنية حياتنا اليومية، حتى وإن تبهرجنا بكثير أو قليل من «مظاهر» الحداثة.. فهي مصطنعة زائفة، على حد ما قال نزار قباني: خلاصة القضية.. توجز في عبارة.. لقد لبسنا قشرة الحضارة.. والروح جاهلية!. التخلف التقني: وهذا جزء مما سبق، لكنه قد يكون الجزء الأهم والأفدح أثرا والأظهر أثرا! فنحن نكاد نكون خارج سياق الحضارة المعاصرة، إلا أن نكون مستهلكين! الجمود والتقليد: على صعيد الفكر والثقافة والعلم، فيما يخص أمور الدين وشؤون الدنيا جميعا! لا نزال نجتر ماضينا اجترارا، أو نقلد مناهج شرقية أو غربية تقليدا غير مستبصر. التمزق والتدابر: على صعيد السياسة والاقتصاد.. فلا نزال عاجزين عن تحقيق الحد الأدنى من «التنسيق» السياسي (مجرد «التنسيق» لا «الوحدة المتكاملة»!)، كما أننا عاجزون عن تطبيق أبسط صور «التعاون» الاقتصادي (مجرد «التعاون» لا «التكامل» وصولا للاكتفاء الذاتي في محيطنا!). * رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان