أقيمت مساء الثلاثاء الماضي ندوة مع الأستاذ إبراهيم البليهي بعنوان"حول بنية التخلف" ، والتي كانت بإدارة المهندس منسي حسون،وكان ذلك من فعاليات المنتدى الثقافي الشهري في الرياض بمنزل المهندس حسن مرزوق الشريمي. ابتدأت الندوة بالتعريف بالضيف،فهو مثقف وكاتب ومفكر سعودي وعضو مجلس الشورى من 3 -3-1426ه حتى الآن،يحمل شهادة في الشريعة الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.له العديد من المؤلفات من المؤلفات والبحوث،مثل:بنية التخلف(جزء صغير من مشروع فكري متكامل)،وأد مقومات الإبداع،مكمن التقدم-عن أهمية الطاقة الإنتاجية والإبداعية.يعمل على إنجاز مشروع فكري واسع يتضمن :تأسيس علم الجهل،التغيرات النوعية في الحضارة الإنسانية،القيادة والانقياد،عبقرية الاهتمام التلقائي،العلوم مشتقات فلسفية. ابتدأ الضيف حديثه حول ما تدعيه الأمة من حضارة وفكر في واقعنا المعاش، حيث أن مجتمعاتنا العربية لم تستطع حتى الآن أن تنتج واقعا متقدما يعكس معنى الآية الكريمة " كنتم خير أمة " وما هو موجود من تطور ما هو إلا من إنتاج الأرض فلولا وجود البترول في أعماقها لأصبحنا حفاة وعراء . وأشار أن حالة التخلف هو الأصل في كل المجتمعات،حيث أننا عند قراءة تاريخ الحضارات القديمة سواء الصينية أو الاشوريه والفارسية والعربية والفينيقية وغيرها ... جميعها كانت تتحرك في مسارات محددة وتحت سقف واحد من خلال ثلاث مراحل " مرحلة التأسيس والصعود ومرحلة الاستقرار ثم مرحلة السقوط " وما أن تقوم حضارة حتى تسقط على أيدي شعوبها الهمجية التي لا تعترف بحضارتها. أما الحضارة الحديثة(الغربية) فذكر ذكر أنها عصيّة على الانهيار وذلك بسبب امتلاكها جهازا مناعيا قويا يضمن استمراريتها وهو الحرّية والانتقاد، بحيث أن كل التيارات والاتجاهات لها حق حرية التعبير والانتقاد وبمستوى متكافئ مع بعضها البعض،وهذا الجهاز المناعي يتيح للمتأخرين مراجعة أفكارهم كما يكشف للمتقدمين ماعندهم من مواطن النقص , وبذلك فان هذا الجهاز المناعي لا يعتمد على توجهات أفراد بل على ثقافة شعوب . ثم استطرد قائلا : ان السبب الرئيسي في القفزة النوعية التقدمية لدى الغرب،هو بسبب الفكر الفلسفي المعتمد في عملية التغيير ، إن الفكر الفلسفي هو الذي نقل البشرية من مستوى النقل إلى مستوى العقل ومن مستوى التناسل أو التوارث الثقافي إلى مستوى الإنتاج . وأضاف أن أي حضارة تقوم هو بسبب الأفكار المطروحة ومدى الاستجابة لتلك الأفكار ، وما لم يستجيب أي مجتمع فلن تقوم له أي حضارة تقدمية ذات قفزة نوعية ، وهذا ما نشاهده ونسمعه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ففي الوقت الذي نفخر بان منا ( ابن رشد ) وغيره من الفلاسفة والعلماء فإننا نجد انه كانت تحرق كتبهم ويهددون بالقتل ويُتهمون بالزندقة والإلحاد , وهذا يدل أن هؤلاء الفلاسفة لا يمثلون اتجاها في مجتمعاتهم إنما كانوا خارج النسق الثقافي لتلك المجتمعات . ثم تحدث عن مدى اعتمادنا ومنذ قرنين من الزمان على تلك الدول المتقدمة وتلك الحضارة في كل ميادين الحياة عندنا في نظام التعليم والقوانين والاقتصاد وفي الجانب التقني، ومع هذا فإننا لم نستفد من ذلك إلا من الناحية المهنية فقط لا غير , إن مجرد الانخراط في الجانب التعليمي لا يحقق لنا أي نقله أو تقدم ما لم نغير طريقة تفكيرنا،فرغم الكم الهائل من الجامعات والكليات والمدارس والمراكز الثقافية المنتشرة في كل الدول العربية فإننا لم نلحظ أي تغير يذكر في طريقة تعاطينا وتفكيرنا لنكون أصحاب حضارة متقدمة لان نظام التعليم إنما هو ناتج عن ثقافة المجتمعات، فنظام التعليم في المجتمعات المتخلفة يكرس حالة التخلف الموجودة بعكس المجتمعات المتقدمة الذي يكرس النظام التعليمي فيها إلى مزيدا من الإبداع والتطور . واختتم محاضرته بأن هناك عاملان رئيسيان إذا تواجدا فلن يكون هناك أي حضارة تذكر وهما الاستبداد السياسي والانغلاق الثقافي. وبعدها كانت هناك العديد من المداخلات التي أعطت قوة في اللقاء،ومنها مداخلة للدكتور حمزة المزيني ،وللأستاذ جعفر مرزوق ،والأستاذ حسين بنجي،والدكتور علي الحاجي والمهندس حسن مرزوق والأستاذ رمزي الشماسي،وأشار البليهي من خلال ذلك أن نمط التفكير هو الحاكم في شخصية الإنسان وليس الشهادة الأكاديمية أو الاجتماعية،فهناك الآلاف من عاش في أوروبا وأمريكا عشرات السنين للدراسة،وبعد أن رجعوا إلى بلادهم لم يكن أي تقدم في تفكيرهم،بل عاد البعض وأصبح أسوأ مما كان عليه قبل سفره.بالإضافة إلى ما سبق،بين أن تقييمه للحضارة الغربية مبني على الظواهر الغالبة وأما السلبيات عندهم فهي قليلة وهو أمر طبيعي. وأخيراً شكر المحاور الأستاذ البليهي على إجابته الدعوة ،وكذلك شكر الحضور على التفاعل الجيد والمفيد الذي أعطى للقاء حيويته.