تشكل الآثار التاريخية والحصون الشاهقة المزدانة بالنقوش الألمعية التي تزين جدران وأطراف المنازل في قرى شحب التراثية غربي محافظة رجال ألمع معلما أثريا بارزا، حيث تعتبر من أعلى الحصون التاريخية بمنطقة عسير، والتي يزيد عدد الأدوار فيها على ثمانية أدوار، مطلة على القرى لتزيد من جمالها وأهميتها. وبمجرد دخولك إلى القرية، فإن هذه الحصون تلفت الانتباه، نظرا لاحتفاظها بكافة تفاصيلها من النقوش الألمعية المزينة بالمرو والصوامع، ويبلغ تعداد هذه الحصون أكثر من خمسة عشر حصنا يرجع تاريخها إلى أكثر من 1000 عام. عبدالرحمن يحيى الألمعي وهو من المهتمين بتاريخ وآثار المحافظة والذي رافق "عكاظ" في جولتها على القرية، قال إن أسرته انتقلت منذ أكثر من 40 عاما إلى بلدة الشعبين والواقعة شمالي المحافظة بحثا عن الخدمات المناسبة من التعليم والصحة، ويضيف مؤكدا "هذه القرية الأثرية لا تقل أهمية عن أية قرية تراثية أخرى بمنطقة عسير، لاسيما أنها تحوي أعلى الحصون التراثية في عسير في الوقت الراهن، إذ تطل على القرية كاملة". ويشير الألمعي إلى أن للقرية مسجدا ما زال يحتفظ بتفاصيله على الرغم من ارتحال العديد من السكان إلى خارج القرية بحثا عن الخدمات، وقال إن المسجد بني على الطريقة القديمة التي كانت سائدة في تلك الأزمنة، وبناؤه من الحجارة وأخشاب أشجار الزيتون والعتم والعرعر، وبين أن هذا المسجد كان يشهد جميع الصلوات لسكان القرية في ذلك الوقت بما فيها صلاة الجمعة. وشرح الألمعي كذلك طريقة هندسة البناء قائلا: اعتمدت هندسة البناء على الأسلوب العسيري المعروف الذي يتكون في غالبه من الحجارة والأخشاب، وقد شارك في بناء القرية من قبيلة بني هلال المعروفة التي هاجرت عبر التاريخ، ومن قبيلة شخب التي تعود للأزد، وكان أهلها مشهورون بالكرم والجود والإباء، وقد اشتهر بنو هلال بتجارة الذهب والبناء في ذلك الوقت، وساهموا في تشييد تلك الحصون الأثرية، وآثارهم ما تزال قائمة إلى وقتنا الحاضر في البناء والفن العمراني في رجال ألمع خصوصا في قرى شحب التراثية. وأضاف: في القديم، لم يتمكن أحد من إخضاع هذه القبيلة لصعوبة الوصول الى قريتهم الحصينة التي كانوا يتمركزون فيها، وقد قال عنهم أحد قادة الدولة العثمانية (حبل يرمي.. وجبل يرمي)، ويقصد بذلك أنهم كانوا يستخدمون ما يعرف باسم (المرجمة) أو الصخور التي يستخدمونها لرمي العدو في حالة نفاد ذخيرتهم، ولا يوجد هناك أي قلعة عثمانية داخل القرية وإنما بنيت هذه القرية بأيدي أبنائها. وهذه القرية غنية بالآبار ويوجد بها مجموعة من الآبار الضخمة التي كانت تسمى (صبي العين)، ويقال إنها 7 آبار متداخلة كل بئر تفتح على الاخرى بتصميم هندسي مختلف، وكانت ممتلئة بالماء في ذلك الوقت. كما تتميز هذه القرية بالزراعة وكان أهالي القرية يزرعون القمح والبن، وكانت هي المصدر الرئيسي لأهالي القرية الذين كانوا يتميزون بالشجاعة إذ لم يخسروا أي معركة خاضوها قديما. أما سمرهم في ليالي أنسهم فقد كان يعتمد على الفنون الشعبية الألمعية المعروفة، ومن غرائبهم أنهم كانوا يعيبون الدق على الطبول التي لم يكونوا يستخدمونها في غير الإعلان عن الحرب كطبل الراجوج المعروف قديما حيث كان يسمع صدى صوته على مسافة ثلاثة أيام كما كان يقال. وتتميز الحصون بارتفاعها على معالم أثرية ما زالت تحتفظ بتفاصيلها حتى الان، ومنها حصن الشيخ سعيد بن محمد الذي كان يشكل مركز الإمارة في القرية في ذلك الوقت، وكان مقرا للاجتماعات سواء كانت بهدف الصلح أو الضيافة لقبيلة أخرى، ويحتوي على سجن قديم يسجن فيها المخالفون من أبناء القرية، ويعد هذا الحصن من أهم الحصون في القرية، وهناك أيضا حصون آل ماطر التي كانت تستخدم دروعا دفاعية للقرية، وحصن آل الراقدي الدفاعي، وحصن آل أبو لملم الذي كان لا يقل أهمية أيضا عن الحصون الدفاعية الأخرى في القرية. قرى شوقب وتطل هذه القرية الأثرية على قرى شوقب وبعض قرى جنوبي المحافظة، وتطل قرى آل مجم على البحر الأحمر (الشقيق) حيث يشاهد البحر عندما يكون الجو صافيا ويشاهد من قمة لهم تسمى (الفوارع) تقع على جبل غمرة الذي يبلغ ارتفاعه 2500 ذراع، والذي يعتبر أعلى قمة جبلية برجال ألمع، وتعتبر هذه القرية من أهم المراكز القديمة برجال ألمع في ذلك الوقت، والقرية مسورة بأسوار دفاعية كان يطلق عليها محاجي، وكان الأهالي يتحصنون خلفها عند نشوب الحرب قديما، وما يزال البعض من الأهالي متمسكون بتلك الآثار القديمة ويحافظون عليها من الاندثار. الزي التراثي الألمعي وما زال ارتداء الزي التراثي الألمعي القديم موجودا بالتزامن مع التطور الجمالي الممزوج بالاضافات الحديثة، بحيث يتنوع الزي الألمعي للذكور في المحافظة من مكان لآخر، إلا أننا نستطيع حصره في وقتنا الحاضر في جزءين: الأول وهو الغالب: الثوب والمعجر والشفرة والصمادة، وينتشر هذا اللبس من شمال رجال ألمع إلى جنوب كسان تقريبا، والثاني: الحوكة (رداء وإزار) وينتشر في الحبيل وما جاورها. أما الزي النسائي المتعارف عليه في المحافظة قديما فهو الثوب العسيري (الجلابية)، وقد عاد الان بموضة جديدة، مشيرا إلى أن عددا من المصممات السعوديات قمن بإحياء الزي العسيري ليتواءم مع العصر ومستجداته، وقمن بتطوير نقوشه، والقماش الذي يصنع منه باختلاف تطريزاته وألوانه، حتى أصبح زي الكبيرات والصغيرات في المنطقة بشكل عام ومحافظة رجال المع بشكل خاص، إلا أن الزي النسائي الألمعي التراثي قديما كان يستغرق تفصيله مدة أربعة شهور أو خمسة، لأنه كان يعتمد على العمل اليدوي، ويقوم به رجال متمرسون في هذه الصنعة، وكان يستخدم في صناعته أجود أنواع الحرير والقصب، وأفضل أنواع القطيفة، وكان ثمنه قديما مناسبا بشكل يتيح لكل امرأة ارتداءه، أما الان فهناك أنواع وخامات متعددة، والموضة تدخلت فيه، ولم تعد المرأة تريده مثلما كان قديما، بل أصبحت تبحث عن الموديلات الجديدة في الثوب العسيري، وبشكل عام وفي وقتنا الحاضر أصبح كلا الجنسين في الغالب يضيف إلى جانب ذلك الزي التقليدي الزي المعاصر، فالزي الوطني السعودي يكون بالنسبة للرجال، أما النساء فقد واكبن ما يجري من تنوع واختلاف في التصاميم المعاصرة. «المساراه».. قوة وسرعة يعود عبدالرحمن الألمعي لشرح الألعاب الشعبية التي كان يمارسها القدماء من أهالي القرية: هناك ألعاب كثيرة كان يمارسها أهالي القرية ومنها (المساراه أو إمساراه)، حيث كان يتجمع أبناء القرية في أحد المواقع المخصصة لممارسة هذه اللعبة الشعبية وكانت تعتمد في المقام الأول على السرعة والخفة والقوة، وبيلغ عدد المتبارين قرابة عشرين شابا، وكان أحدهم يصيح بصوت عال يسمعه جميع المتبارين ويسمى ب(الدو) ثم يقوم هذا الشاب بالانطلاق وسط مطاردة شديدة من كافة المتبارين للإمساك به، ومحاولة إسقاطه دون أن يلحقه أي ضرر. وهكذا وفي نهاية المباراة يقوم المتبارون بالمصارعة وتسمى في ذلك الوقت ب(السرى). الفتة والعريكة وبين الألمعي أن هناك أكلات شعبية في رجال ألمع تعد الأشهر على مستوى منطقة عسير ومنها الحنيذ والعريكة والمقاصف والفتة والعصيدة. وأشار إلى أن الفتة ما زالت حاضرة في كافة المناسبات التي تقام في القرية أو في رجال ألمع، وقال إن عملية اعدادها وتقديمها تعتبر سهلة حيث تقوم نساء القرية بوضع خبز الذرة أو الزعر في التنور حتى ينضج، ومن ثم يؤخذ المرق من على اللحم وتضيفه على الخبز ثم تقوم بتقطيعه قطعا صغيرة، ثم تبدأ في هرسها بالمهراس، ثم يضعن عليها اللحم ويرش بالمرق وعليه بعض من اللحم السمين والبصل (نصف محروق)، ويقدم مع الحلبة بنوعيها (الحلو والحامض) وهي مشهورة في رجال المع وتوضع في أدوات من الفخار ومن ثم تقديمها للضيوف. أما العريكة فهي طعام الضيف العجل والوجبة الصباحية الشهيرة، وتتحول في المناسبات الكبيرة إلى مرزومة.