من أراد أن يعرف نوع أخلاق أبناء مجتمع من المجتمعات ما عليه سوى أن يداوم لفترة قصيرة على متابعة ما يدور من حوار بينهم على صفحات تويتر أو غيرها من وسائل التواصل الإلكتروني، فهذه الحوارات كفيلة أن تكشف بسهولة عما عليه الناس من الأخلاق والقيم، وكذلك ما هم عليه من مستوى الوعي ونوع التفكير، وربما أيضا ما يعانونه من أمراض نفسية ومشكلات أخلاقية تتحكم في سلوكهم وتوجه أقوالهم وأفعالهم. في بلادنا العربية تنبئك الحوارات التويترية أن ما يغلب على الناس من سمات خلقية يمكن أن يصنف ضمن عناصر ستة: سرعة الانفعال، البذاءة اللفظية والفحش في القول، سوء الظن بالآخرين، التحريم لما يجهلون، العنصرية، الجهل المركب (أن يكون الإنسان جاهلا لكنه لا يدرك جهله). ومن الواضح ان تلك العناصر الخلقية يرتبط بعضها ببعض ويتسبب بعضها في حدوث بعض، وتلتقي جميعها في نقطة واحدة هي: غياب القدرة على ضبط الانفعالات وإخضاع الأشياء لمعايير التفكير النقدي، فكلمة صغيرة جارحة أو هفوة غير مقصودة قادرة على أن تثير زوابع عظيمة، وأن تقلب السلام حربا، فترتفع الأصوات وتتقاذف ألفاظ السباب والانتقاص، هذا إن لم تتطور في بعض الحالات إلى اعتداء باليد أو السلاح. واسوأ من هذا، أن ذلك كله يحدث تحت مفهوم (الشجاعة) أو (الثأر للكرامة)، أو أن التسامح أو(التطنيش) فيه جبن وذلة وتشجيع على التمادي، الخ ذلك من مفاهيم تستدعي الانفعال وتحث على إظهار الغضب. وما يؤسف له، هو أنك لا تكاد تجد فرقا يذكر في هذا بين المثقفين وغيرهم، فالجميع سواء في عدم القدرة على التحكم في انفعالاتهم والانسياق وراء موجة الغضب والتورط فيما تقود إليه من ردود أفعال رديئة وغير مقبولة. في ظني، أن هذا أحد عيوب التعليم، فالمدارس لا تدرب الطلاب على ضبط انفعالاتهم، ولا تعلمهم كبح جماح غضبهم. وقد يكون للمدارس عذرها، إذ كيف يمكن لها فعل ذلك وغالبية المعلمين أنفسهم عاجزون عن التحكم في غضبهم وضبط انفعالاتهم، يشهد بذلك ما نرى تكرره منهم من اعتداءات لفظية ويدوية على طلابهم، وهي مع الأسف اعتداءات تنعكس ردودها السلبية عليهم في صورة اعتداء مقابل من الطلاب على معلميهم. هذا، إضافة إلى ما يشيع في الثقافة العامة من وصف للأشخاص الذين لا يضبطون انفعالاتهم بأنهم عصبيون أو (حارين)، وهذا التصنيف يشرع لسرعة الانفعال ويصورها حالة خارج السيطرة، فيتمادى الناس في الانسياق وراء الغضب بحجة أنهم خلقوا هكذا، ويغيب عن أذهانهم أن الغضب رذيلة يجب على الإنسان أن يرتقي بسلوكه عن الوقوع فيه، ومن المتوقع أنه متى تكرر على سمع الطفل أو التلميذ الصغير وصفه بأنه (عصبي)، أن يكبر وهو مقتنع أن سرعة الانفعال سمة راسخة في شخصيته لا يمكنه ضبطها، فيتحرر من حمل مسؤولية التحكم في غضبه أو حتى الخجل منه.