الحديث لا ينتهي عن فضائل شهر مضان ولا يجب أن ينتهي، فمقاصد ومعاني الصوم تستوجب النهل منها زادا من رمضان إلى رمضان، وحقيقي نصبح في مشكلة إيمانية حقا عندما لا نتدبر معاني الشهر الفضيل ودروسه والعمل بها، وأن تتحول كل تلك النعم الإيمانية إلى مظاهر وعادات ولا يبقى من الصوم أثر إلا الجوع العطش. ومع نفحات الشهر الفضيل نستحضر الإخلاص عبادة وعملا، ونتأمل واقع الحال في حياتنا وحياة الأمة، ونتدبر ما يجب أن يكون عليه الفرد والأسرة والمجتمع من تراحم وترابط، ونجدد العهد مع الله تعالى بتوبة خالصة وبداية جديدة، ونحمده سبحانه أن بلغنا رمضان بعد أحد عشر شهرا مضت، ران على القلوب خلالها صدأ وتكلسات نفسية تنهش في الأخلاق الخاصة والعامة، وما يعانيه المجتمع من مظاهر آفات أخلاقية إنما يكشف عن ضياع القيم الناصعة، وهاهي تتجدد فرصتها بنفحات شهر القرآن، ونرجو أن تكون أيامه ولياليه أفضل مما مضى، بصفاء القلوب وبركة في النفوس وفي الوقت والأعمار. على مدار العام يشقى الإنسان وينشغل بما في أيديه، بل ويشقى أكثر بتمني ما ليس يملكه، وكأن تفاصيل الحياة لم تعد تترك له خيارا، وباتت تقض نومه وتحرمه الراحة، إلا من رحم ربي ونام قرير العين مرتاح الضمير والبال بأداء حق الله عليه، من عبادات وتقوى يجتهد فيهما صادقا، ويؤدي حق نفسه عليه وحق بدنه وأسرته ومجتمعه ووطنه. وها هو شهر رمضان المبارك قد أطل بنفحاته وبركاته، لكن ما أسرع أيامه وكأنها طرفة عين، فما أعظمها من فرصة للعودة إلى الله تعالى، وإحياء القيم الجميلة في النفس وأواصر الترابط والتراحم والصبر والصدق في القول والإخلاص في العمل. إن التغير الذي تحدثه حياة العصر في طبائع البشر وحالة العزلة النفسية حتى بين أفراد الأسرة، يبدو كتيار جارف، والدعوة لتغييره هو أمر أشبه بالمستحيل دون تغيير حقيقي للنفس، فقط يتحقق عندما يبدأ كل إنسان بنفسه، وكل أسرة تصلح أمورها بالمودة والرحمة والعطف والصبر واللين والحوار. إنها الأخلاق قرينة العبادات وروحها وهداها في تأدب الفرد وبناء المجتمع . قال صلى الله عليه وسلم: ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا).. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا، ووفقنا لصالح الأعمال واهدنا سبل الرشاد.. اللهم آمين.