صديقي الذي حمل مشعلا مضيئا في الكتابة والتعاطي مع المشهد الثقافي نقدا وتحريرا، لم يخف رغبته الجامحة في الاستقرار حيث يدرس في غربته التي وجدها ضامنة للعيش الرخي وأسباب التقدم المفتوح دون عوائق لحظية. أذكر أنه تحدث بإسهاب مندفع عن مستوى التعايش والتقدير للإنسان بعيدا عن وصفه وصفته، من خلال اشتراكه فيما يشترك فيه الناس، ومطالبته بالتساوي مع ما يطلبون، واحترام حقوقه أيا كانت، تحت ظل لا يحيد ولا يزيغ في سبيل واسطة أو حظوة أو امتيازات. بلاشك أن الحياة في بعض تلك الدول فيها ما فيها من انتظام وحضارة، وهذا الانطباع الذي يعيشه الإنسان لحظة اتصاله الأول في الغالب يتضام مع غيره من الانطباعات المنبهرة حين الانتقال من حياة معتادة التفاصيل إلى حياة تفاصيلها متجددة بشكل مؤقت وفارقة أيضا. هذا التلاقي يعزز أفكارا بظني تحتاج التروي والتأمل، قبل خوض الفكرة الكبيرة التي اسمها الاستقرار الدائم. فبقدر الاندفاع دون مقاييس وموازنة تكون الصدمة أوجع أثرا، لا أقول دائما، ولكن المثال مشهود ومعاش. والمتغيرات كذلك مشهودة ومعاشة. على الحقيقة، لا أدري لم انداحت هذه الخواطر الآن رغم كل ذاك الوقت الذي مضى؟ هل هو الشعور بالخوف من هذا العالم القلق؟ هل هي الأخبار التي تدور بين عدة نوافذ باندفاع كرة الثلج؟ أم أن ارتفاع نعش الفقيدة ناهد المانع رحمها الله وجعل كل لسان سوء محمدة لها عند ربها حمل الخاطر إلى تدوين هذه الخواطر؟ أظن أنني أكتب تحت دواعٍ كثيرة، لا ألمس لها بداية ولا نهاية، يدفعني لها رغم كل هذا التعبير المشوش والمبالغة التي لا استبعدها، فكر ذاك المغترب الألمعي، الذي يجيد قراءة الحضور المرتبك والكلمات المرتبكة.