وأكمل ما بدأته أمس حول المأزق الأخلاقي الذي يوجد مناخا وتربة صالحة لنبت «الديكتاتور» في العالم العربي دائما، فرئيس وزراء العراق الحالي «نوري المالكي» الذي تولى السلطة منذ عام 2006م، جاء بعد أن جرب واختبر الشعب العراقي «ديكتاتور» سابق الرئيس «صدام حسين 1979 2003م»، الذي كان عادلا في ظلمه فقط، إذ وزعه بالتساوي على الجميع، فقمع الأكراد والشيعة وسنة الأنبار وكل حزب حتى أعضاء من حزبه «البعث» حين عارضوه صفاهم بتهمة الخيانة. هذا الاختبار المرير والطويل للشعب العراقي بأكمله، كان من المفترض وبعد سقوط «الديكتاتور» ألا يسمح الشعب بعودة «ديكتاتور» جديد بعد أن جربوا ما الذي يعنيه حين يحكمك «طاغية» ؟ ومع هذا كان القادم الجديد «رئيس الوزراء نوري المالكي 2006م إلى الآن» لا يختلف عن السابق، وإن بدا أنه بصبغة شيعية، إلا أن كليهما ينتميان للمذهب بقدر ما يحقق له المذهب مصالحه، لكنه قادر على افتراس أتباع مذهبه إن عارضوه أو هددوا سلطته التي هي أهم من الوطن. فرئيس الوزراء «المالكي» في 2007م حين اختلف مع تيار الصدر «الشيعي» قام بعملية عسكرية «صولة الفرسان» ضد حزب «الصدر الشيعي»، وكان باقي الشعب «الأكراد والسنة»، يتابعون هذا السحق دون معارضة. اليوم يستدعي «المذهب الشيعي» ليواجه جزء مهمش من الشعب «السنة» والأقلية القادمة من الخارج «داعش»، واستدعى فتوى من المرجع «السيستاني» الذي طالب الشعب بحمل السلاح، مع أنه أي السيستاني ليس مرجعا لكل الشعب، ولن يستمع له إلا أتباع المذهب الشيعي، فبدا أن رئيس وزراء العراق يدفع لتقسيم الوطن، وهذا أمر لا يكترث له الديكتاتور ؛ لأن بقاءه بالسلطة أهم من الأوطان. بقي أن أقول: إن الإنسان أي إنسان بداخله «ديكتاتور» يعشق السلطة المطلقة، لكن هذه النبتة تحتاج لتربة ومناخ صالحين لزراعتها، والمجتمع أي مجتمع متعدد الأعراق والطوائف، وحين تكره طائفة بالوطن طائفة أخرى ولا تقف أو تعترض على اضطهادها، وتبيح وتشارك في سحقها، تصبح التربة والمناخ جاهزين لولادة «الديكتاتور»، إذ أن «الديكتاتور» لا يستطيع قمع جزء من الشعب، ما لم يشاركه الجزء الآخر ولو بالصمت، وبهكذا تربة ومناخ صالحة لظهور «الديكتاتور»، تصبح الأوطان مهترئة وقابلة للاستعمار ظاهريا أو بالخفاء.