لم يكن قرار الرئيس الأمريكي أوباما بالإبقاء على 9800 جندي أمريكي في أفغانستان بعد نهاية 2014 مفاجئا لأحد، بل المفاجأة كانت في قراره انسحاب كامل القوات الأمريكية عام 2016، معلنا تبرؤه من أفغانستان ونهاية مهمة قواته الناقصة، متذرعا بطي صفحة الحروب التي أعقبت اعتداءات 11 سبتمبر، تاركا أفغانستان التي مزقتها الحروب وتقاذفتها أمواج التنظيمات الإرهابية وتدخلات دول الجوار، وكذلك خرج بدون التوقيع على الاتفاق الأمني الذي رفضه كرزاي والذي يفترض أن يشكل إطارا للوجود العسكري الأميركي في أفغانستان. ومن الواضح أن القرار الذي اتخذه أوباما بعد زيارة مفاجئة لأفغانستان، جاء وفق استراتيجية عسكرية مدروسة، لأن عودة جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، سيسمح له بأن يكون شاهدا على عودة آخر الجنود الأمريكيين إلى بلادهم قبل أيام من انتهاء ولايته الثانية، معطيا المرشح الديمقراطي الجديد كائنا من كان الدفعة التسويقية له باعتباره سحب قوات بلاده من أفغانستان، معتقدا أن ذلك سيصب لمصلحة حملة الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية بعد 2016م. ومن المؤكد أن تركة مغادرة القوات الأمريكية ستكون ثقيلة في الوقت الذي لا تزال فيه الحكومة الأفغانية مشلولة وعاجزة وما تزال ضحية أعمال العنف والتعامل بشكل جاد مع إرهاب طالبان. وبالتالي لا يمكن أن تنفي نظرية أن تتحول أفغانستان مجددا إلى «معقل» للقاعدة كما كانت قبل اعتداءات 11 سبتمبر، خاصة أن مفاصل حركة طالبان ما تزال متجذرة في جنوبأفغانستان وحاضرة بقوة في وزيرستان الباكستاني، وتنتظر اللحظة التاريخية للدخول في حقبة جديدة من الأعمال الإرهابية ليس فقط في الداخل الأفغاني بل في باكستان، والتي تتخوف هي الأخرى من موجة جديدة من الإرهاب عبر الحدود الأفغانية، ومن هنا يمكن تفسير سعيها للدخول في اتفاقية سلام مع حركة طالبان باكستان للحيلولة دون حدوث هذه الموجة. كما لا يمكن تجاهل الصين في التركيبة الجيوسياسة للمنطقة لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأمريكية لأنها ستكون قلقة من تمدد طالبان إلى الأطراف الصينية وبالتالي فإن بكين ستكون حاضرة في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب لإرساء الأمن والسلام في منطقة جنوب آسيا، خاصة أن الصين لديها تحالفا استراتيجيا اقتصاديا وعسكريا مع باكستان وتريد إنجاز الخط الاقتصادي الاستراتيجي من كاغشار الصينية إلى جوادر الباكستانية والذي اعتبره رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف تغييرا في قواعد اللعبة الاستراتيجية في المنطقة. ومن الواضح أن أمريكا لم تتعلم من أخطائها التي ارتكبتها في العراق والكل يعرف نتائجها وأخطاءها في أفغانستان وهي ستغادرها بعد سنوات من التورط في مستنقع أفغانستان وعدم قدرتها في إنشاء مؤسسات حقيقية بشكل كامل تدير شؤون البلاد، وترك أفغانستان تنزلق لصراع خطير داخلي قبائلي وإقليمي يجعلها عرضة للتآكل والحروب الداخلية. إنها «الأوباماوية» التي تدخل في حرب أو أزمة وتتركها دون حلول، دعما لنظرية دع البكتيريا تتفشى.