البعض منا قد لا يعنيه ما تنفذه وزارة الزراعة من برامج لمكافحة الأمراض التي تنتشر في المزارع، ومنها رش النخيل للقضاء على السوسة الحمراء، وما يصاحب ذلك من قصور أو تراخ، رغم أنها من الآفات الأكثر خطرا على صحة الإنسان؛ لكونه مستهلكا للمحاصيل الزراعية والخضراوات والفواكه والتمور. ولعل ما يحدث في مزارع النخيل أمر يندى له الجبين، ومعاناة يعرفها المزارعون منذ 27 عاما مضت، تنقلت فيها الإصابة بهذه السوسة من القطيف إلى الأحساء لتنتشر بين مزارع الرياض، وادي الدواسر، تبوك، نجران، وأخيرا في القصيم. تفشت سوسة النخيل الحمراء من الشرق للشمال للوسطى ثم الجنوب والغرب، وكانت الأسباب جميعها تشير إلى عمليات نقل الفسائل، ووصلت نسبة الإصابات إلى 1.3% وباتت المخاوف كبيرة على المحصول الذي ينتج من 30 مليون نخلة في بلادنا كميات تجاوزت المليون طن سنويا، وهو أكبر معدل إنتاج في العالم. الجهود كانت كبيرة من وزارة الزراعة في مكافحة السوسة، وتطورت من الوضع التقليدي إلى الأساليب الحديثة، لكنها تراجعت في هذا العام ولم تدرج في الميزانية السنوية الحالية مخصصات الرش لكثير من المزارع وهو ما فاقم المشكلة. ولعل الخطر الذي واجهه المزارعون في القصيم مثلا، التي يوجد بها نحو 6 ملايين نخلة تدر دخلا سنويا يتجاوز المليار ريال، إذ تعرضت 600 نخلة للإصابة، وأصدر أمير المنطقة قرارا يلزم المزارعين بتنظيف مزارعهم، ومن يرفض يتم إجباره عن طريق الشرطة والجهات المختصة لهذا الغرض، وبسبب الانتشار السريع للمرض دعي وزير الزراعة إلى القصيم للوقوف على معاناة المزارعين، وصدم بالواقع المرير الذي يتعايشون معه في ظل تباطؤ عمل الوزارة في الرش والمكافحة، ما نجم عنه ارتفاع معدلات الإصابة بنسبة 600% خلال أربع سنوات. هذه الآفة التي انتشرت على مدى 27 عاما، تجعلني أتوقف كثيرا أمام هذه السوسة التي جعلت من الأبحاث مجرد حبر على ورق، لاسيما أن تشخيص انتقال المرض في بلادنا بسبب العنصر البشري، سواء من العمالة المعنية في تنظيف المزارع، أو المواطن الذي يبيع الفسائل وينقلها من موقع لآخر دون التأكد من حملها للمرض من عدمه، فهل يعقل أن هذه المدة لم تكن كافية للقضاء على السوسة الحمراء التي تهدد المزارعين وتمورهم التي تعد مصدر دخلهم الوحيد. المختصون في مراكز الأبحاث يجزمون أن هذه الحشرة تستوطن داخل النخلة حتى تقضي عليها دون اكتشافها منذ وقت مبكر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: «لماذا لا تتم توعية المزارعين والعمالة بطرق العناية والتنظيف وتلافي الخطر قبل وقوعه بدلا من البحث عن مخارج في عقوبات وتشريعات لن تخدم المزارعين وتؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع الإنتاج؟». في الماضي، كنا نسمع عن معاناة المزارعين الذين يتضررون من موجة البرد وانتشار الدودة في المزارع والخسائر التي يتكبدونها جراء تلك الحالات الطارئة ولا يجنون في الموسم إلا محاصيل بسيطة، وينشط سوقهم في الطماطم والكوسة، وكانوا لا يحظون بدعم أو برش للمحاصيل، بل كانوا يعتمدون على أنفسهم دون انتظار الفرق للكشف على محاصيلهم، لكن الفرق كبير بين السوسة والكوسة وطرق التعامل مع المنتجات، ففي السابق كان المزارعون أنفسهم يراقبون منتجاتهم وكانت الدودة التي تصيب الكوسة تعد مؤشرا لبدء التحرك للرش والمكافحة الاستباقية التي تحمي بقية المحصول، وما نحتاجه اليوم هو الفحص الدوري لمزارع النخيل والمكافحة الاستباقية لمواجهة السوسة. لا بد أن تتحرك الوزارة وتعي جيدا أن التمور تدر أرباحا كبيرة ودخلا سنويا على المزارعين وتعد استثماراتها ذات مدخولات عالية على الزراعة والمزارعين والدخل القومي، ويكفي أنها تزين موائد رمضان ولا تحلو القهوة طيلة العام بدون التمرة التي تعد الضيافة الرئيسية في بلادنا ورمزنا الوطني.