مواجهات دامية وقتل في بنغازي واختطافات بالجملة وحرب شوارع وهجوم بمدافع مضادة للطائرات علي مبنى البرلمان.. وتجميد لنشاط المؤتمر العام.. وتصفية حسابات سياسية وأيديولوجية ومعارك قبلية ومليشوية على اختلاف مشاربها.. وانعدام الأمن.. وشلل المؤسسات. هكذا بدا المشهد في ليبيا معيتيق التي أصبحت متفرجة على الفوضى والدمار وخطر التقسيم، وعاجزة عن إيجاد حلول لما وصلت إليه ليبيا من تدهور شديد للأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية. حرب الميليشيات في ليبيا استعرت، والصراع داخل الحكومة الليبية الهشة بلغ أشده في ظل غياب دولة القانون في بلد التناقضات والتقلبات والتناحر الذي يتكئ على كم هائل من السلاح المليشيوي الظلامي. ليبيا تعيش أزمة سياسية واقتصادية أمنية غير مسبوقة، إذ شلت السلطة التنفيذية والتشريعية وعجزت النخب التي تتنازع من أجل السلطة في طرابلس، من التوصل إلى توافق حول مصير ليبيا التي تتقاذفها أمواج المليشيات صاحبة الأفق الضيق والفكر الإقصائي المتطرف، والتي تتحمل مسؤولية انعدام الأمن وتعطيل عملية إعادة بناء الدولة، وتأجيج النزاعات الفئوية التي أدت إلى سقوط ليبيا في أتون الحرب الأهلية. ليبيا اليوم أصبحت دولة الدويلات في ظل وجود حكومة عاجزة عن ممارسة الحكم وغياب ثقافة الحياة الديمقراطية وحرص الميليشيات للحفاظ على مصالحها الذاتية، وتفكيك وإضعاف نظم وآليات وكيانات سيادة القانون، وتحقيق وحدة الأراضي الليبية. لقد نجح الليبيون في إزالة الحكم الديكتاتوري البائد بعد ثورة وتضحيات كبيرة وحدوث حمامات من الدماء، وكان إصرار الشعب الليبي خلال فترة الثورة حماسيا، زلزل الأرض من تحت أقدام النظام الهمجي، وعلى الشعب الذي قاد الثورة ضد الاستبداد، الإصرار على إعادة بناء مؤسساتهم الجديدة التي تتناسب مع تضحياتهم وطموحاتهم في دولة متماسكة تلتزم القانون والحريات، ورفض تطلعات أصحاب النظرة الضيقة والفكر الظلامي وإبعاد شبح الوهن المؤسسي والانغماس في التفكير الإقصائي الذي يحرص على المصالح الشخصية وليس إرادة ومصالح الشعب والوطن وسيادة ووحدة واستقرار ليبيا. ويجب أن يقول الشعب بصوت واحد، لا لسيادة الميليشيات والجماعات المسلحة، ولا للانفلات الأمني، ولا للهجوم على المؤسسات ومحاصرتها ونهب أموالها، ونعم لسيادة القانون.