«سعدية» أقرب إلى نصوصها من أيّ سؤال مباغت رغم تماسِّها الروحيِّ مع كلّ مفردةٍ ناقمة أو مثيرة أو مستفزّة على هامش اللغة إلا أنها تهزُّ رأس الضجر كي تغيبَ في درج الوعي، وكونها شغوفة بالنسيان أشرعتْ بابَ الذكريات على مصراعيه لدرجة التعرّي والانكشاف لذلك تقول: «اللغة أحيانا هي كل القصيدة»، فهي -بعد 16 كتابا- لم تعد تسكن قلبها وتتجاوزه إلى قلوب الآخرين فحسب لكنها باتتْ أكثر اندماجاً مع كونيّتها وقد خلعتْ عزلة الشاعر على أكتاف الوجود، وانطلقتْ لا للتُحلّقَ بعيداً عن أرضها إنما لتأتي بمن ضَلُّوا سُبُلَ العودة وتركوا الأرض لقيامةٍ من ورق، هنا محاولة لنبش أوراقها المبعثرة بين يديّ الأزمنة على إثر ديوانها الأخير (كم نحنُ وحيدتان ياسوزان): (كم نحن وحيدتا ياسوزان) في عنوانكِ هذا بابٌ مشرعٌ لحكايةٍ قادمة وشعريةٍ تنبضُ بأسئلة تمشي معك ، في الطرقات و في الكتابة و في الشك على حدّ سواء ... لماذا تشغلين القارئ مبكراً بمافي ذاتك قبل دخوله للنص؟ - لا أدري. أعني أنني لا اقصد ذلك، ولست متأكدة أن كنت أفعله حقاً. الأسئلة تتمشى في دمي وليس معي وحسب، ولا تفعل القصيدة سوى أنها تساعدني على توثيق أسئلتي الهادئة في أعماقي بكلمات يقرأها الآخرون. وبالتأكيد ليس قصدي إشغال القارئ بما في ذاتي قبل دخوله للنص لكنني سأكون سعيدة لو حدث هذا فعلا. هذا يعني أن قارئي يفهمني إلى حد كبير، ويتمثل ما أكتبه بشكل وفيِّ ومخلص. حسنا .. ماذا يريد الشاعر من قارئه أكثر من ذلك؟ إهداؤك «إلى كل النساء الوحيدات .. تحديدا» بالتأكيد قصدك عزلة النص أو العزلة الجمالية التي يفرضها الحسِّ الدافئ وليس الوحدة الغامضة في مساء الوجود؛ أليس كذلك ؟ - عندما اكتمل الإهداء على هذا النحو.. كنت على وشك أن أحذف كلمة «تحديداً» على اعتبار أن كلمة «كل» تغني عنها، لكنني فضلت أخيرا أن أبقيها لترسيخ تلك الرغبة التي أريد ان تشاركني فيها النساء تحديدا في الحديث عن الوحدة تبديدا لها وتكريسا لكل ما يمكن أن يوحي بضدها أحيانا. نعم هي عزلة جمالية فعلا ، ولكنها أيضا عزلة حقيقية كانت هي الإطار الذي أكتب فيه نصوصي، ولذلك لم أفضل استخدام كلمة عزلة بل استبدلت بها كلمة وحدة.. وهي أقل قسوة في تداعيتها.. سوزان عليوان التي تقاسمينها اللوعة في ديوانك تقول: «لأنّكَ وحيدٌ/و روحُكَ شاحبةٌ/تلوّنُ وجوهَ أطفالِكَ بالمساحيق/ثمّ تجلسُ قبالتَهُمْ/و تبكي» وفي نصك عنها تقولين: «وحيدتان في هدأة العمر المتصرّم/نُداهن الكلمات والألوان/نخترع أحرفَ جديدة للعلة/ ونودعها صندوق اللغةِ المُغلق إلا قليلاً....». ما بين نصك ونصها ثمة انطفاء روحيُّ واضطرامٌ لغويُّ؛ كيف تستطيعان النهوض بعكازةِ اللغة ولديكما انكسارٌ رحبٌ يسودُ العالمَ في عينين غامضتين/أنتِ وهي ؟!! - لا أدري.. لا أعرف كيف أفسر نصوصي الشعرية ولا أريد ذلك خارج حدودها. تفسير القصيدة تبدو مهمة غير مبررة بالنسبة للشاعر. هكذا أرى. كل ما استطيع قوله عن نصوصي هو ما قلته فيها بالفعل. ولكن رغم ذلك استطيع أن أناور قليلا أمام هذا السؤال لاختلف معك قليلا. نصوصي لا تشبه نصوص سوزان.. هي ترى ذلك وأنا كذلك أراه. ربما لهذا تقترب النصوص من بعضها البعض كما تقترب الأرواح وفقا للقاعدة الفيزيائية التقليدية؛ القطبان المتشابهان يتنافران والمختلفان يتجاذبان.. ربما. على أن اللغة عندي تبقى أحد أهم أدواتي الشعرية بالمطلق .. وكثيرا ما انطلقت نحو قصيدتي من مجرد فكرة لغوية محض. اللغة بالنسبة لي أوسع بكثير من أن تكون أداة لإيصال القصيدة أو المعنى الشعري.. اللغة أحيانا هي كل القصيدة. في نص (مديح): «أنتشي بالمديح الخجول»، وفي نص (فشل): «يربكني المديح الصريح». هذا التباين في استقبال الآخر... لماذا تتركين مسافة فارغة كما لو أنها حصان طروادة وبداخله الأسلحة والحيل المدمّرة التي ستنصرك على هواجسك اللغوية التي لا تتجاوز نظرة هادئة على رصيف العمر؟ أهكذا تغدو الشاعرة/الأنثى أكثر خوفا من نفسها أم على نفسها ؟ - في هذين النصين تحديدا أبدو كمن يتعلق بقش الكلام لأنقذ نفسي من ورطتها.. ومرة أخرى أقول لك إنني لا أجيد تفسير نصوصي.. هل أبدو كذلك كما بينت أنت في السؤال؟ الشاعرة الأنثى التي تبدو أكثر خوفا من نفسها على نفسها؟ بصراحة لا يعجبني أن أبدو هكذا حتى من خلال النص .. صحيح أنني أتداوى بالشعر غالبا من كل أوجاع الحياة لكنني أيضا اعيش لحظة القصيدة كجمال مفرط ولا أريدها أن تكون بالنسبة لي مجرد أداة للمقاومة حتى وأن رآها الأخرون كذلك. الأسئلة الكثيرة التي ترهق قصائدك أهي دلالة أعمق من الثرثرة أم أنها تعبّر عن صدمتك الوجودية؟ - أحب الأسئلة.. ليس في القصائد وحسب ولكن في اختياراتي الكتابية الأخرى. ولعلك تعلم أن لدي كتابا عنوانه «سين» وهو عبارة عن أسئلة وأجوبة.. وأحيانا أشعر أن الإجابة ليست مهمة كثيرا بقدر السؤال.. الإجابة تضع النقطة الأخيرة على السطر لكن السؤال عبارة عن أفق مفتوح على كل الاحتمالات.. وأنا أحب الاحتمالات وما توحي به من ظلال مكتشفة وغير مكتشفة. ولا أدري ماذا تقصد في سؤالك بالصدمة الوجودية ولا أظن أنني معرضة الآن لهذا النوع من الصدمات. كل شيء أمامي عبارة عن أسئلة والأسئلة تحمينا من الصدمات وتبقينا على تواصل مع كل الوجود عبر علامات الاستفهام. في ديوانك يبدو الواقع أكثر اتساعاً واللغة اليومية مُعاشة في النص لديك كما لدى المارين بشوارعك الممتلئة بشراً ووحوشاً ... هل أرهقتك اللغة المكثفة أم أبعدتك زمناً طويلاً عن المتلقي/ وتبحثين عن المتلقي الجديد ؟ - أبحث عن نفسي أولا، أعتبرها هي المتلقي الأول لما أكتب. نصوصي الشعري لا أكتبها تحت وطأة ما أملك من وعي على سبيل المثال لكنني أتمنى أنني اكتبها في سياق الموهبة أساسا. الوعي هو المكون الرئيس لشخصياتنا الشعرية وغير الشعرية ورغم هذا فأنا أنفر من كل وعي مباشر قد يبدو واضحا في القصيدة. نعم.. الواقع متسع لكن اللغة قادرة دائما على احتواء هذا الواقع والمشي معه في شوارعه ورسم المزيد من الشوارع فيه.. عبر المفردات وحدها فما بالك لو استعانت بعناصر شعرية أخرى؟ نصك (ذبيحة).. رغم الحزن الطائش الذي يدنو كدخانٍ للتو شبَّ في ضلوع القصيدة هنالك طربٌ وغنائية وأوزانٌ في نصٍ نثري كقولك «سلامٌ لهذا الموات المؤاتي.....» أهكذا تتسلل إليك الإيقاعات الخليلية بعد ردحٍ منبريِّ وغيابٍ عن القصيدة الكلاسيكية ؟ - لا أنكر أنني نشأت شعريا بين أحضان القصيدة الكلاسيكية، والإيقاعات الخليلية ليست عيبا ينبغي على الشاعر أن يتخلص منه أن كان من الذي يكتبون قصيدتهم وفقا لأسلوب قصيدة النثر. مؤخرا صرت أنفر تماما من فكرة التصنيف في الشعر وفي غير الشعر.. ضد التصنيف في الحياة كلها. ولم يعد يهمني أن كتبت قصيدتي وفقا للطريقة العمودية أو التعليلية أم النثر .. المهم أن تكون قصيدة وأن يكون شعرا فقط. وعلى فكرة.. أنا لا أترصد شكل قصيدتي وأنا أكتبها وغالبا يلفت الآخرون نظري إلى شكلها بعد قراءتها.. كما هو سؤالك الآن الذي أعادني لهذه القصيدة تحديدا وجعلني أكتشف فيها تلك الروح الكلاسيكية الموغلة في الموسيقى.. فشكرا لهذا التنويه اللطيف. بعد 16 كتابا ... أرى أن ديوانك يحتفي بالوجع ويتغنى على الذكريات ؛ هل يعدُّ سأماً وشيكاً لكاتبةٍ تُطفئ القناديل ليلاً كي تشتعل عيونها لحظة الكتابة ؟!! - لحظة كتابة الشعر بالنسبة لي ظلت دائما لحظة فرح حتى وهي تأتيني مكتنزة بآلامها الموجعة. فعلا أنا أتضايق من نفسي وأنا أكتب، وعندما اكتشف أنني أريد كتابة قصيدة وأن الشعر يداهمني أحاول أن أتجاهل ذلك الشعور وانشغل عنها بكل شيء أمامي .. وغالبا ما يكون هذا الانشغال نوعا من التحضير المسبق وهو أمر مفيد جدا بالنسبة لي لأنه يساعدني على لحظة تكثيف الكتابة.. واختصار الوجع أثناءها.. ولا أكتب الشعر ليلا فقط ولا نهارا فقط.. وليست لي طقوس خاصة للكتابة.. الطقس الوحيد بالنسبة لي هو حضور رغبتي في الكتابة فقط، بغض النظر عن المكان الذي أكون فيه لحظتها أو الزمان الذي أعيشه تلك اللحظة. النوافذ كثيرة في نصوصك فمنْ قولك «نافذة مغلقة بالصمتْ» إلى قولك «لكل منا نافذة سرية» حتى تقولين في نصٍ بعنوان (نافذة): «أفتحها على جدار غرفتي الصغيرة/وأفتحها على فراغ الروح/أشير من خلال زجاجها المتخيل لأناس غير موجودين» .. فما هي دواعي النافذة/النوافذ الكثيرة التي تطغى على جدار الكتابة وأنت مترددة بين فتحها وإغلاقها على سبيل التذمرّ مع أن يد الكلمات قصيرة ولا تطول نوافذ المعنى يا سعدية ؟ - حكايتي مع النوافذ حكاية طويلة وقديمة وواقعية. أحب النوافذ جدا، ولو كان لي بيت أصممه كما أشاء لصممته على شكل جدران تحتل النوافذ معظم المساحات فيها.. فتحت عيني وأنا طفلة صغيرة على نافذة واسعة وحيدة في غرفة وحيدة يتكون منها بيتنا. وكانت علاقتي مع تلك النافذة علاقة دائما.. كنت أرى العالم كلها من خلال تلك النافذة التي كانت والدتي رحمها الله تربطني بحبل صغير في قضيب من قضبانها وأنا دون السنتين من عمري لتنتهي من أعمال البيت وهي مطمئنة أنني موجودة في المكان الذي تركتني فيه.. وعندما كنت تعود لي تجدني نمت وأنا أحاول فك عقدة الحبل الذي ربطتني فيه.. وربما لأنني يئست من قدرتي على فك الرباط صرت أتلهي بمراقبة العالم من خلال تلك النافذة حتى تحول العالم كله بالنسبة لي أى كون يقع ما وراء النافذة.. وهكذا تنامت علاقتي بالنافذة لاحقا لتصير هي عالمي الواقعي وهي حلمي المشتهى بالإضافة الى كونها كلمتي الأثيرة في سياق القصيدة وغيرها من سياقات الكتابة الأخرى. «عندما يرتوي الشاعر من بلاغة الهوى» هذا جزء من قصيدتك في محمود درويش، وفي أطراف النص مقاربة افتراضية بين صوته وصوتك ؛ فما الذي يجمع بينكما غير إيقاع قديم ؟!! - وهل الإيقاع القديم الذي ترى أنه يجمع بيننا شيء قليل؟ أحب درويش وأحب صوته وأحب وعيه وأحب سيرته الذاتية واختلف معه في كثير من آرائه، وأرى أنه أحد أهم شعراء العربية في القرن العشرين مثلا. (سخرية).. هذا النص الذي جاء فيه: «رغم تعاطفي تجاه الآخرين الذين هم الجحيم/أحياناً .. أسخر منهم/فيتحول مشروع الدمعة إلى ضحكة منجزة»، وفي نص لقاسم حداد يرى فيه «الآخرون هم الجنة/ففي الحب شيءٌ من الجنة» .. ألا يكفي أن سارتر خبأ في جيوبنا لوعة الماضي بينما أنتِ كشاعرة تستحضرين روحه في نص يزجُّ بك إلى هاوية النأي. ماهو خلاصك الوجوديّ بعد جحيم الآخرين فيما لو أن جنتك الموعودة هي غيابٌ وعزلة ووحدةُ مصير ؟ - الحب هو خلاصي الوجودي الأول وهو يتجلى داخلي وأيضا حولي في كل شيء. وإذا كانت جنتي المشتهاة كما يراها الآخرون في الشعر هي غياب وعزلة ووحدة، فإن ذلك لا يعني أن هذه الجنة غير مبهجة بالنسبة لي أو بالنسبة للآخرين مما تتقاطع حياتهم مع حياتي في أكثر من مفصل. نعم.. مؤمنة أن الآخرون كما يقول سارتر هم الجحيم.. لكنه غالبا هو الجحيم الذي يكنز لذائذه في الداخل.. «أعترف أنني لا أعرف كيف أحبُّ».. اعترافك هذا لك، ويدفعني لسؤال مشاغب وهو؛ لماذا الحبُّ لديك مضطهدٌ وفاجر ومجرد حلم لغويّ لا يتعدى شفاهك المترفة بالقصيدة؟ فهل الآخرون يحبونك ولا تعرفين أنهم كذلك أيضاً؟ - يبدو أنك مثل الآخرين .. تعرفني أكثر مما أعرف نفسي. لا أدري لماذا ولا أدري إن كان الأمر كذلك فعلا أم لا. لكن ما أنا متأكدة منه أن الحب بالنسبة لي ليس مجرد حلم لغوي بل هو معنى إنساني لا يستقيم وجودي من دونه. «بلا شغف/ولاهاجس/ولاذكريات مشتعلة/ولاوشاح منسي».. هذه التوابع أو ما يسميه النحويون «جملة العطف/أو العطف على الجمل».. يجعلك في لهاثٍ محتدم لمعنى لا يكاد ينتهي وقد يشتت القارئ أو يجعله متوتراً إزاء نصِّ لانهائيّ حتى لو كان قصيراً، فالإحساس بأن النص طويل هو أطول من حجم النص ذاته ... هل تتعمدين كتابة النص المفتوح أم اللاشعور هو ورقتك البياض دائما؟ - لا .. لا أتعمد شكل النص ولا عدد كلماته ولا حتى موضوعه العام. لا أتعمد شيئا إطلاقا وأنا في حضرة النص الشعري.. لكن اللهاث المحتدم وفقا لتعبيرك أجده مناسب جدا لوصف الحالة التي أكون عليها أثناء كتابة النص.. ولعل كثيرا من نصوصي تبدو متوترة فعلا وقد تحيل القارئ لنوع من التوتر لكن هذا ليس في كل النصوص بل في تلك النصوص ذات المعمار التراكمي الحركي كما أرصد لاحقا. «جغرافية جسدي»، «كلمة الجسد الأولى»، «أم تُراه ظل منسي لجسد هارب»، «نقطة إحساس في جسدي»، «جسده فكرة مستباحة للعقل».. هذا التنصيص لا أعني به مطاردة نصوصك ولكن استوقفني مرورك العابر على سفوح الجسد وعدم تفاصيلك كما لو أنك تخافين من المُحرّم أو العيب أو المعاني الأيروتيكية ... هل لديك ممنوعات في الحديث عن الجسد كمادة لغوية على الأقل؟ - لا .. ليست ممنوعات لكني يبدو أنني لا أجيد الكتابة عما تسميه الممنوعات.. فعلا لا أجيد كتابة الجسد كما أشعر به. ربما لهذا تبدو محاولاتي على هذا الصعيد مبتسرة ومبتورة على نحو ما. لديك نصوص ذات أجزاء مثل؛ «حفلة كلام1و2و3».. وهلمّ جراً؛ لماذا تستهلكين القصيدة بالأجزاء مع أن نصك لا ينتهي مهما وضعت نقطة في نهاية السطر؟! - أنا كتبت معظم نصوص كتاب «كم نحن وحيدتان يا سوزان» على شكل يوميات وكنت أكتبها بشكل مباشر في مدونة على الإنترنت.. وتقريبا بمعدل نصا لكل يوم. وجاءت هذه النصوص متلاحقة بهذا الشكل تحت عنوان واحد، ولعلك تلاحظ أنها أحيانا تبدو متصلة وأحيانا أخرى تبدو منفصلة. بين الحزن والضحك تتلوى قصائدك في بطن الكلماتِ؛ لِمَ الازدواجية/لِمَ أنتَ... مريضة بالمحتمل أكثر من الواقعيّ ؟ - وما نحن سوى كل هذه المشاعر المختلطة في آن؟ والملتبسة بشكل لا يكاد يبين؟ أحيانا تختلط الأمور فلا نعرف ما الحقيقي وما الواقعي.. ولعل الشعر بشكل عام يبدو بيئة مناسبة للتعامل مع هذه الصيغة المختلطة والملتبسة. وثم أن الإيمان بالمحتمل أكثر من الايمان بالواقعي لا أسميه مرضاً بل هو نوع من أنواع الأمل والتشبه به.. «الانتظار، والأرصفة، والبيت، والأم» .... وكثير من المفردات الحيّة تستحضرك في غياب الوطن؛ أهو الميِّتُ الوحيد في تخومِ قصيدتك وأنت المتأرجحة/متأرجحة على كبد التيه ؟! - تسألني كثيرا عن تفسير قصائدي.. ولكنني لا أجيد تفسيرها ولا تبريرها ولا شرح معانيها، ولا أظن أن الشاعر عموما قادر على ذلك وهذه أصلا ليست مهمته. لكن أستطيع أن أستفيد من تعبيرات سؤالك ومفرداته لأقول إنني فعلا أشعر بالتيه أحيانا من دون أن يتعلق هذا تحديدا بفكرة غياب الوطن، فالوطن بالنسبة لي فكرة لا تموت ولا تغيب.. لا في قصيدتي ولا في وجودي الإنساني. ماذا بعد كتاب «كم نحن وحيدتان ياسوزان»؟، وكيف تجدين اقترابك من القارئ بحميمية مفرطة وباستدراج ذكي في عنوانك الذي يضعك على طاولة حوار طويل مع ذاتك ومع الآخر ومع الأشياء التي لا تتكلم إلا معك؟! - لدي أكثر من مشروع مفتوح حتى الآن شعرا ونثرا.. ولا أدري اي مشروع منها يستدرجني لكي يكون التالي في الصدور. أما بالنسبة للعناوين فأنا فعلا أهتم بعناوين كتبي وقصائدي وأشعر أنها مدخل أولي جيد للآخر كي يعبر إلى قلب النص. والحوار الطويل مع الذات ومع الآخر ومع الأشياء كما يشير السؤال هو حوار مستمر ومتحرك على أكثر من مستوى من الشعر أو غير الشعر .. المهم أن فكرة الحوار نفسها تستهويني واعتبرها فكرة قابلة للتجدد ولتوليد المزيد من النصوص.. فمرحبا بكل حوار، ومنها حواري معك الآن.