إنني محب لليمن ولأهل اليمن بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ولكن اليمن للأسف في (زحمة)، البوصلة لديه (فارطة) ولا تعمل. لديه بترول أكثر مما لدى سلطنة عمان، ولكنه أيضا متعطل من كثرة التفجيرات على خطوطه. لديه موقع (استراتيجي) في عدن عند مضيق باب المندب، وهو لا يقل أهمية عن (قناة السويس)، ولكنه كذلك متعطل. ولديه كل معطيات السياحة من شواطئ وجبال وطبيعة وطقس وتراث، ولكن السياح الذين يأتون له من كل بقاع العالم هربوا نافذين بجلودهم من كثرة الاختطافات. وإليكم ما يقوله مراسل جريدة الحياة في صنعاء (على سالم). يد تحمل البندقية والأخرى على (الكيبورد) هذه هي حال شبان قريتي (قراضة والمرزوح) في جبل صبر المطل على مدينة تعز اليمنية، فالذي لا يشارك منهم في القتال الناشب بين القريتين يحارب عبر الشبكة العنكبوتية، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، وأولها (فيسبوك وتويتر)، «إنهم مجموعة من الأشرار يتغذون من استمرار الخلاف ويبتزون المواطنين» بهذه العبارة يصف (أحمد على جامل) المدير السابق لمديرية الموادم شبان القريتين الذين يخوضون منذ 17 عاما دورات قتال متقطع على خلفية نزاع على عين ماء أسفر حتى الآن عن قتل وجرح العشرات، بينهم أطفال ونساء وتشريد عدد من الأسر انتهى. لأول مرة أتأكد أن الحروب القادمة في العالم ستكون على المياه، ولا تختلف مياه تلك العين عن أزمة مياه نهر النيل بين مصر وإثيوبيا، فالمسألة كلها نسبة وتناسب. هذا نموذج أو مثال بسيط، ولا أريد أن أتحدث عن عصابات الحوثيين فكلكم تعرفونها، ولا عن الصراعات التي طالت كذلك أكبر قبيلة في اليمن التي هي (حاشد)، حيث تتصارع فيها فئة من السادة (الأشراف) وشيوخ القبيلة على السلطة منذ أكثر من نصف قرن كامل، وكأنهم يتصارعون على قصر (بكنغهام). ويحضرني الآن حادث حصل قبل عدة عقود بين قريتين متقاتلتين في جبال (رازح)، وعند احتدام إحدى المعارك بينهما، ابتعد المدرس المصري الوحيد في إحداهما عن الميدان طلبا للسلامة وجلس على عتبة المدرسة، وإذا برصاصة طائشة تخترق رأسه وتقتله. وتدخل الحكماء من أهل الحل والعقد للصلح بينهما، غير أن أهل القرية المقتول فيها مدرسها أصروا على الأخذ بثأره لكي يقبلوا الصلح، ووافق الحكماء على مطلبهم بأن أحضروا المدرس المصري الوحيد الآخر للقرية الأخرى وقتلوه، وهنا انتهت المشكلة وحصل الصلح، وبدأ الاحتفال بنحر عشرات الذبائح والرقص بالخناجر. وشحن المدرسان التعسان اللذان ليس لهما لا في (العير ولا النفير) في تابوتين، ولم يردهما غير مطار القاهرة، ليستقبلهما أهاليهما بالصياح والعويل. طبعا، ليس في هذا الحادث ما يضحك بقدر ما فيه ما (يسطح). ومع ذلك ما زلت أحب وأشفق على اليمن وأهله قائلا: (يا خوفي منك، ويا خوفي عليك).