كشف آخر تقرير لهيئة الرقابة والتحقيق عن مشروعات الإسكان الجديدة في عشر مدن وجود تأخر وتعثر وتجاوزات في التنفيذ، ونقص في الإشراف والعمالة والمعدات، وغياب برنامج زمني واضح، بل وصل الأمر لنقص في كميات الخامات المستخدمة لبعض المشروعات، كشف التقرير كذلك عن وجود عقود من الباطن لم تقرها وزارة الإسكان، كأن الوزارة الحديثة لم تستفد من تجارب الوزارات العتيقة أن عقود الباطن هي بؤرة الفساد، ألم أقل سابقا إن بعض وزاراتنا كل في فلك يسبحون. رصدت الهيئة أيضا تأخرا في مشروع سكتي حديد قطار الحرمين وقطار الشمال الجنوب، ووجود نقص في العمالة والمعدات من قبل المقاول، علما بأن التقرير بني على دراسة قامت بها الهيئة لخطط التنمية والمشروعات التي يتم تمويلها من فائض الميزانية. تقول الهيئة، بعد كل هذا السرد، إنها رفعت ملاحظاتها مفصلة، وحقيقة لم توضح رفعتها لمن، المرجعية هنا معروفة، بيد أن الرفع لولي الأمر بتفاصيل مخالفات دون تبني عقوبات مناسبة يعتبر تحصيل حاصل وضرره أكثر من نفعه، فقد يشجع الفاسد على المماطلة والتبرير، الإشكال إذا تم رفعها لتلك الجهات المقصرة، هنا سينشب سؤال: أهذا كل ما تستطيع فعله جهاتنا الرقابية كهيئة الرقابة والتحقيق وهيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة وغيرهم، رصد المخالفات ورفع الملاحظات؟ كل هذه الجهود الميدانية، المقدرة حقيقة، وكل هذه الموازنات الضخمة تنتهي بكتابة تقارير يمكن أن يقوم بها مكتب سكرتاريا صغير، فالمشاريع المتعثرة كثيرة وملاحظة عند كثيرين، إذا كان هذا هو دور مؤسسات الرقابة في مكافحة الفساد وصيانة المال العام، فلا يملك المواطن إلا ترديد خيبة الفرزدق «أبشر بطول سلامة يا مربع». لن يسعني الحديث عن استمرار تنفيذ مشاريعنا على طريقة سلق البيض، أو «طبطب وليس يطلع كويس»، هذه تحتاج حملة وطنية لعلاجها؛ لذا أكتفي بالحديث عن تقرير الهيئة، وهي هيئة ليست للرقابة وحسب، بل وللتحقيق أيضا، إن كانت ملاحظاتها قد أتت بناء على دراسة، فلا بد أنها تحققت منها قبل إعلانها، فإن لم يكن من صلاحياتها التحقيق للإدانة، ولا أدري لِم برغم المسمى، كان بإمكانها تحويلها لمكتب الادعاء العام لتأخذ إجراءاتها القانونية النظامية، أما الاكتفاء برفعها، وهذا ما يفعله ديوان المراقبة العامة وهيئة مكافحة الفساد، وربما المباحث الإدارية أيضا، فأمر لا تفعله الجهات الرقابية المماثلة في بقية أنحاء العالم. جميعنا يعلم أن الفساد أصبح جريمة منظمة، لمكافحته لا بد من تنظيم فعال يصل بالفاسد إلى منصة القضاء، أما مناصحته وكتابة التقارير عنه فتشبه تقارير عريف الفصل عن الطلبة المشاغبين، كثير من الأسماء تشطب خوفا مما يأتي بعد الصرفة، المعلم المتمكن وحده يعرف المشاغبين ويعرف كيف يروضهم لفائدة بقية الفصل، المعلم العادي يعاقب الفصل جماعيا بمحاضرة وعظية عن أضرار المشاغبة، أو يطلب من التلاميذ كتابة موضوع إنشاء عن أهمية الانتباه للمعلم، ولات ساعة معلم.