مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية من المؤسسات الثقافية التي تعمل بصمت، فلا تثير حولها جلبة ولا صخبا؛ لذلك فإن الذين يعرفون عن عملها قليلون، رغم أنها مؤسسة لها إسهامات متعددة في مجالات متنوعة، يأتي في مقدمتها الاعتناء بالثقافة والفكر وحفظ التراث، وبشكل خاص الاعتناء بحفظ تراث الغاط الذي ينتمي إليه من تحمل المؤسسة اسمه. وفي سياق إحياء تراث الغاط، جاء التفكير في مشروع لجمع وثائق الغاط المحلية وإصدارها في مجلدات؛ لتكون في متناول المهتمين والباحثين في تاريخ الغاط، وأسند تنفيذ المشروع إلى الأستاذ فائز الحربي، الذي قام بعمل رائع جدير بأزكى الثناء وأجمله، حين جمع كثيرا من الوثائق الخاصة بالغاط التي كانت مبعثرة في مصادر تاريخية ومطبوعات متنوعة، أو كانت مخزونة في الأدراج لدى مالكيها لا يعرف عنها أحد، فاستقصاها وحققها وأعدها للنشر مجتمعة مرتبة وفق زمنها التاريخي الذي دونت فيه، وتولت مؤسسة السديري نشرها في مجلد من ستة أجزاء بعنوان (وثائق من الغاط)، وهي تمثل مرحلة من تاريخ الغاط تزيد على مائتي عام، تمتد منذ 1120 1370ه. وهذه الوثائق المنشورة تمثل جوانب مختلفة في تاريخ الغاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي حسب وصف المشرف على جمعها «تتضمن معلومات قيمة تتعلق بتاريخ المنطقة وجغرافيتها وسكانها حاضرة وبادية خلال مئتين وخمسين عاما سبقت عصر التدوين الحديث الذي عاشته المملكة منذ ثمانينات القرن الهجري الماضي». ولأن دراسة الوثائق مهمة وذات نفع كبير في معرفة كثير من المعلومات الغائبة حول نواحٍ مختلفة من حياة الناس، فإن هذا الكتاب يمثل ثروة تاريخية لمن أراد أن يبحث في تاريخ الغاط من مختلف الزوايا، فمن خلال هذه الوثائق يمكن للباحث أن يستنتج ما كان موجودا في عصرها من أساليب العيش والعادات الجارية، بما في ذلك أشكال البيوت والأثاث واللباس والعادات والمهن ومصادر كسب العيش، والقرابات ونمط العلاقات الأسرية، ودور المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كما يمكنه من خلال لغة الوثائق وأسلوبها تبين المستوى التعليمي السائد في الفترة الزمنية التي تمثلها الوثائق، ونمط الكتابة المتبع ونوع الألفاظ والتعبيرات الشائعة بين الناس، وكذلك معرفة الوضع الاقتصادي العام في البلد ومصادر دخل الناس وأنواع العملات التي كانت متداولة.. وغير ذلك. وأشكر الأخ الكريم مشعل السديري الذي بادرني بإهدائي الكتاب لما عرف أني معنية هذه الأيام بالبحث عن معلومات تاريخية تتعلق بحياة المرأة في بلادنا منذ بداية الدولة السعودية، فله مني صادق التحية وجزيل الامتنان.