بمناسبة الذكرى العشرين للمذابح التي تعرضت لها أقلية التوتسي في رواندا، والتي بدأت في 7 أبريل 1994 واستمرت لمائة يوم وذهب ضحيتها 800 ألف من التوتسي، أوضح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في كلمته بهذه المناسبة أن «المنظمة ما زالت تشعر بالعار؛ لأنها لم تنجح في منع وقوع هذه المجازر». وقد سبق أن ذكر الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان خلال افتتاح الدورة ال54 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1999 أن «المفهوم التقليدي للسيادة بات غير محقق لتطلعات الشعوب في التمتع بحرياتها الأساسية، ولو كانت الدول ذات السلوك الإجرامي تعرف أن حدودها ليست دفاعا مطلقا، وأن مجلس الأمن الدولي سيتخذ إجراءات لوقف الجرائم ضد الإنسانية لما كانت قد سارت على هذا المنوال عبر إسقاطها من الحساب المتفلت من العقاب الذي يوفره مبدأ السيادة». من جهته، صرح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عقب نجاح التدخل الأمريكي في قضية كوسوفا بأنه «حيث يوجد نزاع إثني وديني علينا أن نوقف المذبحة والتطهير العرقي إذا كان للمجتمع الدولي القوة لوقفه». وقد جرى ترجمة هذا المنحى في مناطق ودول عديدة، نذكر من بينها التدخل الأممي في حرب تحرير الكويت في 1991، والتدخل العسكري الأمريكي والغربي في الصومال وهايتي وتيمور الشرقية وأفغانستان والعراق وليبيا ومالي وغيرها من الدول. غير أن المسألة هنا لا تتعلق بجواز أو عدم جواز حق التدخل والحماية في البلدان التي يتعرض فيها المواطنون أو جزء منهم لأعمال القمع والإبادة لأسباب تتعلق بانتماءاتهم العرقية والإثنية والدينية، فهي تعبير عن المصالح الإنسانية المشتركة في عدم إعطاء المجال لأي طاغية أو حكم جائر في التلاعب بمصائر شعبه ومواطنيه، ولكن المشكلة تتعلق بمن هو مخول بتحديد الحالات التي تستوجب التدخل، ومدى ارتباط ذلك بالمصالح الجيوسياسية، الأمنية، والاقتصادية للدول المهيمنة على القرار الدولي، ومحاولتها فرض المعايير المزدوجة في تطبيقه، وليس أدل على ذلك من غض الطرف من قبل الدول الكبرى عن ممارسات وانتهاكات إسرائيل الصارخة ضد حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وفي الواقع فإن الدول الكبرى في العالم لا ترى فائدة في تقديم المصالح الإنسانية المشتركة على حساب مصالحها الضيقة، ونجد ترجمة ذلك تاريخيا في الحروب الاستعمارية وتدبير الانقلابات ورعاية المليشيات من المرتزقة لإسقاط الحكومات المناوئة لمصالحها.