طالب مختصون الدولة بضرورة سن أنظمة على غرار التشريعات المطبقة في دول العالم لإلزام القطاع المصرفي بالمساهمة في العمل الخيري والاجتماعي. وأشاروا إلى أن البنوك غائبة إلى حد كبير عن المبادرات الاجتماعية، مؤكدين أن الأرباح الطائلة التي تحصدها البنوك سنويا تفرض عليها اقتطاع جزء من تلك الأرباح للمشاريع الخيرية التي تلامس احتياجات المواطن بالدرجة الأولى. وانتقد علي الخنيزي «خبير اقتصادي» المساهمة المحدودة للبنوك الوطنية في دعم العمل الاجتماعي والخيري، مشددا على ضرورة قيام وزارة المالية، وكذلك مؤسسة النقد، فضلا عن مجلس الشورى بممارسة ضغوط على البنوك الوطنية للمساهمة الفاعلة التي تتناسب مع الأرباح الخيالية التي تحصدها سنويا، لافتا إلى أن جميع المؤسسات المصرفية العالمية لديها بصمات ومساهمات خلاقة في كافة المجالات سواء الجمعيات الخيرية أو المنشآت الصحية أو القطاع التعليمي. مضيفا أن العديد من بلدان العالم تمارس ضغوطا وتأثيرا مباشرا على القطاع المصرفي للنهوض بمسؤولياته الاجتماعية، مؤكدا أن الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، تمارس ضغوطا كبيرة على البنوك العاملة لديها للمساهمة في الأنشطة الاجتماعية و الخيرية. وطالب بضرورة إشراك المؤسسات الخيرية والاجتماعية في جزء من الأرباح الخيالية والطائلة التي تحققها البنوك الوطنية سنويا، منتقدا استمرار توزيع الأرباح على المؤسسين و المساهمين دون اقتطاع جزء منها في أعمال الخير التي تلامس حياة المواطن، وتتغلغل في حياة المجتمع، مشددا على ضرورة وضع أنظمة صارمة تنص على اقتطاع نسبة محددة من الأرباح الكبيرة للبنوك الوطنية، بحيث توجه للمساهمة في القطاع الصحي، أو دور الحضانة، أو دور الأيتام، أو إنشاء بعض المراكز الصحية، معتبرا قيام شركة الاتصالات بإرسال رسائل للمواطنين للمساهمة في التبرع لمرضى الكلى أمر إيجابي، وبالتالي فإن البنوك مطالبة بالتحرك المماثل انطلاقا من المسؤولية الاجتماعية. مساهمة لا تتفق والربحية أما الدكتور علي العلق أستاذ المالية والاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول و المعادن، فقال: إن مساهمة معظم الشركات الوطنية في دعم الأنشطة الاجتماعية أو الجمعيات الخيرية متواضع وضعيف للغاية بالمقارنة مع المستويات الربحية التي تحققها سنويا. لافتا إلى أن انخفاض المساهمة في دعم العمل الخيري يتجلى في أبهى صوره في البنوك الوطنية، فمساهمتها لا تكاد تذكر على الإطلاق بالنظر إلى الربحية الخيالية التي تحققها سنويا، داعيا القطاع المصرفي لانتهاج سياسة جديدة تعتمد على المشاركة في غالبية الفعاليات الاجتماعية، ودعم المؤسسات الخيرية، وكذلك الأنشطة المدرسية، فضلا عن وضع البرامج التدريبية المناسبة لاستقطاب خريجي الجامعات أو المعاهد المهنية المختلفة في المملكة، منتقدا في الوقت نفسه عدم المشاركة الواسعة للبنوك الوطنية في دعم الكراسي البحثية في الجامعات السعودية، مقرا بوجود مبادرات بهذا الخصوص لدى الجامعات، بيد أنها متواضعة للغاية بالمقارنة مع الربحية المرتفعة التي يحصدها القطاع المصرفي. وعارض الاتجاه المطالب بضرورة سن أنظمة صارمة لإجبار القطاع المصرفي على المساهمة في دعم العمل الاجتماعي أو الخيري، مشددا على ضرورة نشر الثقافة البنكية القائمة على المبادرة والتحرك الذاتي عوضا من سن الأنظمة الإجبارية، مؤكدا أن الآثار الإيجابية على البنوك من وراء المشاركة الفاعلة في الأنشطة الاجتماعية تكون كبيرة على المدى البعيد، من خلال اكتساب ثقة المواطنين وبالتالي تهيئة الأرضية المناسبة لزيادة قاعدة العملاء في المستقبل، إلى أن زيادة المنافسة بين البنوك من خلال الترخيص لمزيد من البنوك يسهم في دعم النشاطات الاجتماعية، بهدف استقطاب العملاء الجدد. فالمنافسة تلعب دورا كبيرا في زيادة حصة المساهمة الاجتماعية. وقال الدكتور إبراهيم القحطاني أستاذ المالية والاقتصاد في جامعة الملك فهد البترول والمعادن السابق، إن القطاع البنكي في المملكة يعتبر من أعلى المؤسسات المصرفية تحقيقا للربحية على المستوى العالمي، مرجعا ذلك لعزوف غالبية الشرائح الاجتماعية عن تقاضي الفائدة من البنوك، الأمر الذي يصب في مصلحتها في تحقيق أرقام فلكية في الأرباح بشكل سنوي، مضيفا أن تلك الأرباح الطائلة التي تحققها البنوك الوطنية ليست مرتبطة بأعمالها وعملياتها المصرفية التي تقدمها للعملاء بقدر توسعها الكبير في القروض الشخصية و الاستهلاكية التي تجني بواسطتها فوائد كبيرة تسهم في استمرار المؤشر التصاعدي للمستويات الربحية بشكل سنوي، داعيا الدولة التعاطي مع غياب مشاركة البنوك للمساهمة في المسؤولية الاجتماعية بهدف حثها على اقتطاع جزء من الأرباح التي تجنيها من المواطنين جراء عدم تقديم الفوائد مقابل الودائع الكبيرة المكدسة في الحسابات لدى غالبية المؤسسات المالية العاملة في المملكة، مطالبا الدولة التحرك الجاد للقضاء على الاحتكارية الكبرى التي تمارس في إدارات مجالس البنوك الوطنية العاملة. فالبنوك محتكرة من قبل مجموعة من رجال الأعمال، الأمر الذي يستدعي تحركا لفك احتكار أسهم البنوك، بحيث تركز الأرباح لدى شريحة محددة من رجال الأعمال. ودعا مؤسسة النقد التفكير جديا في توسيع قاعدة البنوك المرخصة، بحيث تتجاوز العدد المحدود العامل حاليا في المملكة، مقللا من المخاوف من التوسع في المؤسسات المصرفية على الخدمات المقدمة، خصوصا أن البلدان الخليجية المجاورة تعمل بمبدأ التوسع في إصدار التراخيص للبنوك، مؤكدا أن تراجع أو قلة الأرباح ليس مرتبطا بعدد البنوك بقدر ارتباطها بسوء الإدارة. فالإدارة القوية التي تمتلك استراتيجية واضحة تستطيع تحقيق أرباح بشكل سنوي بعيدا عن المنافسة القائمة. واعتبر مساهمة القطاع المصرفي في دعم العمل الخيري في المملكة مرتبطا بالمبادرات الضعيفة للقطاع البنكي، وكذلك القطاع الخاص بشكل عام في المملكة، لافتا إلى أن مساهمة المؤسسات المصرفية والشركات الخاصة في البلدان الأوروبية مرتبطة بالأنظمة التي تلزمها بالمشاركة الفاعلة. فالبلدان العالمية تقدم حوافز عديدة للبنوك، والشركات الكبرى مقابل المساهمة في دعم العمل الاجتماعي مثل: تقليل الضرائب أو إعطاء مزايا إضافية مثل فتح المجال أمامها لتمويل بعض المشاريع التنموية الكبرى، مشددا على ضرورة قيام البنوك الوطنية بتقديم مبادرات تعود على موظفيها بالفائدة مثل: إنشاء مشاريع سكنية للموظفين، منتقدا غياب مشاركة أغلب الشركات الكبرى العاملة في المملكة. فهناك شركة تقدر مبيعاتها السنوية بنحو مليار ريال، فيما لا توجد لديها مساهمة واضحة في المشاريع الاجتماعية والخيرية على الإطلاق، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من الشركات البتروكيماوية أو غيرها من الشركات الكبرى التي تحصد مبالغ كبيرة مقابل الحصول على مشاريع حكومية مثل المستشفيات والدوائر الحكومية وغيرها.