تثار قضية التوجه نحو تنويع مصادر التسلح في دول العالم الثالث، حتى لتبدو وكأنها مطلب وطني علق البث بشأنه لفترات طويلة لأسباب سياسية وأخرى لها علاقة بتوجهات السياسة الخارجية للدولة، في ما يبدو أحيانا وكأن القضية لها علاقة بمبدأ السيادة الوطنية التي لم تكتمل بعد في بعض الدول، حتى مع اكتمال عناصر الدولة ونيلها استقلالها. لذلك فإن بعض الدول تحاول منذ لحظة استقلالها أن تتحرر من قيد توفر احتياجاتها من التسلح بموارد وخبرات محلية، حتى لو توفرت لها ضمانات دولية بالدفاع عن أمن وسلامة أراضيها وحماية شعوبها، وضمان بقائها من قبل قوى عظمى خارجية، كما هو في حالة إسرائيل مثلا. الصين منذ خمسينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، أيضا عملت على توفر مصادر محلية للتسلح التقليدي وغير التقليدي، وكذلك الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. إلا أنه بالنسبة لكثير من دول العالم، بالرغم من استراتيجية وحيوية قضية توفر السلاح لأمن الدولة وضمان بقائها وتواصل استقلالها، فإن قضية توفر مصادر كافية ومضمونة الإمداد للتسلح يعتبر تحديا وطنيا يفوق إمكانية الدولة في الاعتماد الذاتي على خدمة أمنها ورعاية مصالحها، بل وأحيانا احتمال استعادة فرض سيادتها على أجزاء من أرضها سبق وخسرتها في نزاعات محلية مع جيرانها. في حقيقة الأمر، هناك نوعان من أنظمة التسلح في العالم. نظام تسلح غربي (دول الغرب، الولاياتالمتحدة بصفة خاصة) ونظام تسلح شرقي (دول الشرق، روسياوالصين). كل نظام للتسلح في هذين المصدرين الرئيسيين للسلاح في العالم يخضع لاعتبارات تكتيكية ولوجستية وفي أنظمة التدريب والصيانة، بل وحتى عقيدة القتال نفسها، وليس فقط في نوعية السلاح وكفاءة استخدامه والاعتماد عليه في توفر درجة استراتيجية عالية من الثقة لتحقيق عامل الردع الاستراتيجي اللازم للدفاع عن أمن البلاد من أعدائها الحقيقيين والمحتملين على المستويين الإقليمي والدولي، وتوفر درجة عالية من حرية التحرك للسياسة الخارجية للدولة. لذلك فإن الدولة، أي دولة، تفتقر إلى توفر مصادر محلية للتسلح كفؤ وذات إمكانية عالية للردع تضطر لأن تلجأ لمصادر خارجية للتسلح. لكن هذه الدولة في حقيقة الأمر لا تستورد فقط أنظمة تسلح تنحصر في معدات ثقيلة كالطائرات والدبابات وبطاريات الصواريخ والمدافع بعيدة المدى والغواصات والبوارج البحرية وأنظمة الرادار الثابتة أو المتحركة، أو شراء أنظمة تسلح خفيفة مثل البنادق والرشاشات والصواريخ الراجلة الحركة والعربات المجنزرة أو النصف المجنزرة، بل تستورد أيضا أنظمة تدريب وصيانة وتوفر آمن ومستقر الإمداد للذخيرة، بل حتى عقيدة القتال وتكتيكاته التي يأخذ بها مصدر السلاح الخارجي لها ! ثم إنه بخلاف صفقات التجارة الخارجية، تخضع صفقات التسلح لدول العالم الثالث، لإرادة وسياسة وشروط وتوجه السياسة الخارجية المزود الرئيس للسلاح. فدولة المنشأ عادة ما تضع شروطا على استعمال الدولة المصدر إليها السلاح، تفقد كثيرا من عامل الردع الاستراتيجي الخاص بصفقة السلاح نفسها. على سبيل المثال: كثيرا ما تفرض دولة المنشأ على الدولة المستوردة للسلاح عدم تحويل السلاح لطرف ثالث وهذا عادة ما يخل بالتزامات الدولة المشترية للسلاح تجاه تحالفاتها القومية والإقليمية. وعادة ما تشترط الدولة المصدرة للسلاح التحكم في مستويات كميات الذخيرة المتوفرة للدولة المستوردة للسلاح.. وأيضا كثيرا ما تتحكم الدولة المصدرة للسلاح في تقييم الدولة المشترية للسلاح لأعدائها الحقيقيين والمحتملين.. بل إن الدولة المصدرة للسلاح أحيانا ما تحدد دولة معينة بعدم استخدام السلاح ضدها، حتى لو كانت الدولة المستوردة للسلاح تعتبر تلك الدولة، المحظور استخدام السلاح ضدها، عدوها الاستراتيجي الأول. حتى إنه أحيانا قد تتمادى الدولة المصدرة للسلاح في شرطها لدرجة التحكم في أماكن توزيع السلاح في الدولة المستوردة له ! من هنا نعرف أن قضية تنويع مصادر السلاح في العديد من دول العالم الثالث، هي في الأساس لا تخضع للتقلبات «الموسمية» في توجه وحركة السياسة الخارجية للدول المستوردة للسلاح تجاه قطب دولي بعينه وآخر. هي قضية، كثيرا ما تثار للاستهلاك المحلي من أجل استثارة الشعور الوطني للرأي العام المحلي، لا أكثر ! ثم إن القضية الأساسية من الناحية الاستراتيجية ليست تنويع السلاح بل المضي في سياسة جادة للاستقلال الوطني وإشباع حاجة البيئة الوطنية الاستراتيجية من السلاح المحلي الصنع عن طريق بناء صروح محلية لإنتاج السلاح محليا بهدف توفير الحد الأدنى من مستويات الردع الاستراتيجي للدولة. الخيار الأخير ليس مستحيلا. وصلت إليه جميع الدول العظمى، وتاريخ تسلح الدول الحديث برهن أن دولا كانت هامشية من ناحية التسلح، أضحت تنتج ما يكفيها من السلاح لتوفر مستويات متقدمة من الردع الاستراتيجي لاحتياجات أمنها، لتتحول مع الوقت إلى دول مصدرة للسلاح في العالم.