توغلت «عكاظ» الأسبوعية إلى عمق المشرحة.. أو مركز الطب الشرعي والوفيات في جدة، وصادفت امرأة تبكي بحرارة على كتف والدها الذي كان يعمل على تهدئتها والتخفيف عنها. «لم أشا سؤالهما عن سر البكاء.. فالوقت لم يكن مناسبا للسؤال والتحري في هكذا موقف، لكن مجمل الأمر أن المكان موحش ومخيف، ولا أحد يرغب في ارتياده إلا مضطرا مجبرا. هكذا يمضي الحال في المشرحة التي تتخذ من جنوبجدة مستقرا لها منذ نحو عشر سنوات، وشهدت طوال تلك الفترة غرائب وعجائب.. سكن في هذا المكان الموحش أناس ماتوا بصورة غير طبيعية ومريبة فحسم أمرهم وكشف سرهم الطب الشرعي. لا توجيهات شفهية للحديث شجون مع مدير مركز الطب الشرعي والوفيات في جدة الدكتور طلال إكرام، إذ تناول عدة محاور قبل أن يصطحب كاميرا «عكاظ» إلى عمق المشرحة ومنح العدسة والقلم فرصة التعرف على آلية عمل المشرحة وتعاملها مع الجثث.. يقول الدكتور إكرام: في حالة ورود بلاغ من الجهات المختصة عن وفاة غير طبيعية يتحرك فريق مختص من الطب الشرعي إلى الموقع، ويضع الفريق في أولوياته ملاحظة وجود أي تغيرات في الكشف الظاهري للجثة، إذ إن الخروج إلى مسرح الجريمة في الوقت المناسب يساعد في تحديد ساعة الوفاة وظروفها أحيانا. وبعدها يرسل الجثمان إلى الثلاجة المركزية في الطب الشرعي، وفي هذا فإن الجهة الأمنية هي المخولة بمنح الإذن في تشريح الجثث ويتم التشريح خلال 24 ساعة من ورود توجيه خطي رسمي بذلك ولا تقبل مطلقا التوجيهات الشفهية. توضيح لمن يهمه الأمر الدكتور طلال إكرام يواصل شرح آلية العمل ويتحدث عن استمارة مشتركة تحمل توقيع الطبيب الشرعي، عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام، محقق مركز الشرطة والاستمارة تمنح الأمر بإجراء تشريح الجثة، وإذا كانت لمجهول هوية فهناك عدد من الإجراءات يجب أن تتبع مثل كشف البصمات وفحص الحمض النووي ثم تخزن كافة المعلومات كاملة عن الجثة وتوضع في مركز المعلومات. وفي حالة ورود أي بلاغ أو استفسار تكون المشرحة جاهزة لتقديم الإيضاحات إلى الجهة المختصة ثم بعد ذلك يؤذن بدفن الجثة مع تحديد المكان وكافة التفاصيل تحسبا لحضور أي قريب في المستقبل للسؤال عنه. وعن عدد الحالات التي تتعامل معها المشرحة سنويا، قال إكرام إن العدد يتجاوز سقف ال7000 وهي التي تصل إلى مستشفيات محافظة جدة ونسبة الأشغال في الثلاجة 60% أما الثلاجة المركزية للوفيات ومواجهة الكوارث يصل عدد الأعين فيها إلى 408 أعين، وفي ثلاجة الوفيات في مركز الطب الشرعي 270 عينا. مدير مركز الطب الشرعي كشف جانبا مهما، وهو أن المركز لا يتعامل مع الجثث فحسب بل يخضع الأحياء إلى الفحوصات اللازمة مثل من يتعرض لعملية اعتداء جنسي أو بدني أو إيذاء من الجنسين، حيث تعرض جميعها على الطب الشرعي للبت في حالاتها، لافتا إلى أن هناك زيادة في الحالات التي تعرض على الطب الشرعي ولذا تم إنشاء عيادة طبية شرعية معززة بأطباء وطبيبات سعوديين وسعوديات مع خبراء في الطب الشرعي. وأوضح إكرام أن المتوفين الأجانب الذين يرغب ذووهم في ترحيلهم ودفنهم خارج البلاد يخضعون إلى إجراءات مغايرة منها إعداد طريقة فنية محددة لتحنيط الجثة لضمان وصولها إلى المكان المقصود دون حدوث تلف وتعفن للجثة حيث يقوم الطبيب المختص بعملية التحنيط بحقن جسم الجثة بمادة الفورمالين ثم توضع داخل تابوت ويرسل إلى بلاده. ترحيل 1600 جثة الدكتور إكرام أشار في هذا الشأن إلى أنه يتم ترحيل جثة 1600 أجنبي سنويا يرغب ذووهم في دفنهم ببلدانهم. وقال إن عدد الحالات المحولة إلى مركز الطب الشرعي والوفيات في جدة على ذمة قضايا طبية شرعية خلال العشر سنوات الأخيرة سواء من الأحياء أو الوفيات ارتفع إلى الضعف، مشيرا إلى أن المركز نظر العام الماضي في ما يقارب 750 حالة، وحدوث زيادة مضطردة كما ونوعا مع زيادة نسبة الوفيات غير الطبيعية وزيادة الطلب على إجراء الصفة التشريحية وزيادة طلبات التحنيط لترحيل الحالات إلى الخارج وهي أرقام زادت عن معدلات العام الماضي.