لم أحضر معرض الكتاب ولكني أزعم أنني اقتربت من كثير من تفاصيله من التغطيات الصحافية وانطباعات الآخرين ممن أثق بفكرهم أو اطلع عليه والآراء المنثورة في مواقع التواصل المتشنجة منها أو المعقولة. لابد من أن نقر أولا أن معارض الكتب مهما اختلفت الآراء عليها تعد ظاهرة حضارية تكرس الكتاب تاجا يتبارى حوله ويتنافس عليه، المؤلف والناشر والقارئ ، مما أصل وجوده كفعل ثقافي عميق تحرص معظم الدول على إخراجه ثريا متوهجا عاما بعد عام. وكلنا نعرف أن معظم مثقفي العالم وجمهور الكتاب كانوا ومازالوا يشدون الرحال إلى معارض الكتب في العالم العربي وسواه منذ عشرات السنين وكنت من المداومات على ذلك لأكثر من عشرين عاما. ولو تجاوزنا سقف الزوار بالملايين كما تردد الصحف باعتباره تفاعلا اجتماعيا مستنيرا محملا بدلالات مطمئنة أننا قد انضممنا إلى أمة اقرأ التي أصبحت تقرأ متجاوزين الرؤى التشاؤمية التي تعيد ذلك الإقبال إلى الكثير من الأسباب أضعفها القراءة وتكرس الحدث كفعل اجتماعي جاذب للجمهور أكثر منه دافعا ثقافيا حقيقيا. أما ولو نظرنا بعين الإيجابية وأنصف الكأس الممتلئ لوجدنا الكثير من المزايا التي حفل بها معرض الكتاب هذا العام كان من أهمها التوظيف التقني الذي تمثل في العرض الاليكتروني الذي يتح استعراض منشورات الدور المشاركة في المعرض للدورة الحالية مما يساهم في سرعة وصول الزائر إلى عناوينه المفضلة إضافة التواصل الكترونيا مع الناشين للحصول على النسخ التي نفدت. كما دهش الزائرون من المضيف الآلي حاملا دلة قهوته مرحبا بهم بقوله مرحبا بكم في معرض الرياض الدولي للكتاب الثقافة حوار. وسلوك . واعتبر ذلك إضافة ظريفة وحضارية للمعرض. وقد أضاف البريد السعودي إلى المعرض زخما حيويا حين طرح خدمة إيصال الكتب من داخل المعرض إلى أي مدينة سعودية. كما شهد المعرض باكورة اللقاء الجماهيري لبعض الطروحات حيث انتقلت طازجة شهية من المطابع للمعرض يدشنها مؤلفوها للمرة الأولى من خلال منصات التوقيع المتعددة التي أتاحت كما في السنوات الفارطة التقاء الجمهور بالمؤلفين وتفاعلهم معهم. إضافة إلى زخم جديد من الطروحات المختلفة لأسماء جديدة قد تثري المسهد الثقافي المحلي بروافد حيوية لو ثبتت جديتها ولم تكن صدى لشهوة البروز والتواجد في المعرض كما لاحظت من خلال تدفق الإعلانات السابقة عليه. إذا أصبح مصيدة ثقافية باقتدار حيث يحرص كثيرون من الكتاب والناشرون على التواجد فيه للترويج الجماهيري بصرف النظر عن ما يقدمون إذ يكتفي الكثيرون بالعنوان والغلاف والباقي على الجمهور حيث يعتبر المعرض من أعلى المعارض العربية مبيعا وقد شهد المعرض الكثير من ذلك وفقا لما أتابعه. كما أشاد كثيرون بالبرنامج الثقافي ككل خاصة المقهى والمحاضرات والأمسيات الشعرية وغيرها وأرى ضرورة إشراك أكبر عدد من المثقفين في وضع مقترحات لهذا البرنامج من قبل وزارة الثقافة والإعلام قبل المعرض بفترة طويلة تتيح مبدأ الانتقاء. كما يعتبر وجود المسرح إضافة ثقافية جيدة وخطوة لاكتمال المشهد وتعميقه. وكالعادة كانت المرأة الحلقة الأضعف في كل مشهد حيث منع ظهور مشاركتين في ندوتين من ندوات المعرض على المنصة المخصصة للمشاركين وإجبارهما على الجلوس في مكان منعزل بعيدا مما أثار استياء المشاركتين والحاضرين. لذا اعتذرت (خولة الكريع) عضو مجلس الشورى والعالمة المعروفة عن الحضور وأبدت الروائية والناقدة المصرية ( هويدا صالح ) امتعاضها الشديد من ذلك، ولا أفهم مبررا منطقيا ومقبولا إلى الآن لذلك في ظل ممانعة وسماح وأوقات وأوقات. على أية حال مرحبا بكل فعل ثقافي يضيف لنا ويؤصل فينا ويجمعنا لنتحاور ونختلف ونقترب ونتفاعل حوله وفيه.. وشكرا لكل الجهود صغرت أم كبرت.. ونتمنى وننتظر معرض جدة للكتاب أسوة بشقيقتها خاصة أن للمدينة تجارب ناجحة في إقامته قبل ذلك فحري بوزارة الثقافة والإعلام أن تضع ذلك في تصورها ومخططاتها.