بداية.. كل الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة على مواصلته العمل - كما وعد - على خطى سلفه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، في الوقوف الميداني على كافة نطاق مسؤوليته والتعرف على تفصيلاتها، وتلمس حاجات الناس وداءات المجتمع، والمواجهة الحاسمة للحل. فلم يكن غريبا - والحال كذلك - أن يكون أول مشروع يفتتحه صحيفة «مكة» لسان حال أم القرى وأهلها، وأن تكون ظاهرة التسول من أوليات اهتمام سموه، التي أصدر توجيهاته المشددة لمكافحتها. هذه الظاهرة التي تستشري في مجتمعنا على نحو أصبح مخيفا ومزعجا، دون إجراء واضح رادع في مجابهتها، حتى انتشرت عصابات التسول المنظمة، يديرها نفر ممن انعدمت ضمائرهم وفقدوا كرامتهم طواعية، ولا يهمهم سوى جني الأرباح الفائقة بهذه الوسيلة المهينة لمتعاطيها، والمشوهة لنقاوة صفحة مجتمعنا. وأصبحنا نسمع ونقرأ أن متوسط دخل المتسول الواحد في الشهر الواحد يبلغ أرقاما بعشرات الآلاف من الريالات، دون جهد يذكر سوى بذل الكرامة وإراقة ماء الوجه إن كان له وجه، ناهيك عن كبيرهم الذي يصنع لهم عاهاتهم، ويرتب مواقعهم، ويدبر لهم تنقلاتهم، لقاء نسبة من الإيراد المغري يحصل عليه من كل أفراد الفريق الذي يديره، وكأننا أمام نموذج تطبيقي بامتياز لفيلم عادل إمام «المتسول». وهذا المشروع الخطير المقزز، إنما يقوم وينجح ويتنامى على استدرارا عطف هذا المجتمع المسلم، حتى إن أحدنا ليقول إنه يعطي من يمد يده بالسؤال، طمعا من الله في الثواب، وليس علي أن أبحث إن كان مستحقا للصدقة أم لا، وأنه أي المتسول هو المسؤول أمام الله إن كان مدعيا لا مستحقا!. وتبلغ سذاجتنا الحد، أننا شجعنا حتى عمال النظافة على امتهان هذه الوسيلة والتكسب منها، ليضيف العامل إلى دخله من عمله الذي يؤديه بالأجر لا تطوعا، بل أصبح التسول هو عمل معظم هذه الفئة على حساب عملهم الأصلي، فتراهم في كل الأوقات حتى في الليل المتأخر يتصنعون كنس المكنوس عند إشارات المرور لالتقاط صدقات المغفلين الطيبين! ومن المضحك المبكي أن هؤلاء العمال أصبحوا يستأجرون مواقع التسول الاستراتيجية التي تضرب محصلتها الرقم الأعلى. وباستثناء هذه الفئة، فإن كل المتسولين من الجنسين يظهرون في المشهد بالزي والمظهر السعودي، مع أن معظمهم ليسوا كذلك، والعجيب أن المتسول أصبح صديقا للمواطن وحتى لرجال الأمن عطفا وتعاطفا.. فمن يا ترى هو المسؤول عن محاربة الظاهرة؟! الجواب أن وزارة الشؤون الاجتماعية كما علمت هي المسؤولة عن المتسول السعودي فحسب!! إذن فمن المسؤول عن طوابير المتسولين الأجانب وهم الغالبية الكاثرة؟ أعتقد أنه لا أحد!! وهناك أسئلة تطرح نفسها وتحتاج إلى أجوبة تنبع من الضمير الوطني الحي: - لماذا لا يقبض رجال الأمن على هؤلاء المتسولين؟! علما بأننا لا نشكك في ذمتهم، بل نود أن يتخلصوا ممن العاطفة في التعامل مع هذه الفئة، وأن يطبقوا بحقهم النظام دون تردد، باعتبار هذا الأمر داخلا في نطاق مسؤوليتهم، خاصة في ملاحقة عصابات تشغيل الأطفال في هذا المجال. - هناك متسولون كاملو الإعاقة، فكيف دخلوا إلى البلاد وبأي تأشيرة وأي تبرير؟! - لماذا يتسول السعودي، رغم الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية؟ وباعتباره مخالفا للنظام فأين العقوبة؟! ثم لماذا لا ندقق ونحقق في مصارف عائدات مصلحة الزكاة والدخل، ومدى تغطيتها لحاجة المعوزين الحقيقيين، الذين هم ضمن شرائح المصارف الشرعية لهذا العائد؟ وقد نضطر إلى تذكير رجال المال والأعمال بتبرئة ذمتهم من الحصة الشرعية لزكواتهم طمعا في الثواب ونماء لأموالهم. - هل أدى منبر الخطاب التوعوي الإسلامي خاصة في خطبة الجمعة دوره في مجابهة ظاهرة التسول، وتحذير متعاطيها المتصنعين من مغبتها، ولفت انتباه الناس حتى لا يغتروا بساليب هذه الفئة، وأن يصرفوا صدقاتهم فقط للمستحقين الحقيقيين للذين لا يسألون الناس إلحافا؟! من أجل ذلك لدي اقتراح أطرحه على وزارة الداخلية، بأن توكل مجابهة هذه الظاهرة، إلى شركات خاصة، تقوم بمتابعة متعاطيي التسول والقبض عليهم، لقاء رسوم تدفعها الدولة، لتطهير شوارعنا من هذه الفئة، وذلك أسوة بما تطبقه إدارة المرور التي أوكلت أمر الحوادث إلى «شركة نجم»، وبهذه الطريقة، نضمن ملاحقة الظاهرة على مدار الساعة (24/7)، لا في ساعات الدوام المحدودة فحسب لموظفي الدولة، والتي ينطلق بعدها المتسولون جهارا ليلا ونهارا، وهكذا يمكن القضاء على الظاهرة المزعجة للناس والمشينة للمجتمع. والمهم أولا وأخيرا أن تكون هناك جهة واحدة، مسؤولة مسؤولية تامة عن هذا الملف بكل تفصيلاته، ولديها الصلاحيات الكافية للردع، حتى لا يضيع دم التسول بين الجهات.