عندما يستشعر المسؤول عظم الأمانة الملقاة على عاتقه.. تتنازعه هواجس ملحة بين الطموح.. وبين الأمل.. وبين التوجس من مقبل الأيام.. ووحده التأمل في لحظة انغماس في تفاصيل المكان.. قادر على رسم الخط الفاصل بين كل هذه الهواجس.. لقطة نادرة لصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة.. خلع فيها كل عباءة رسمية.. بعد زيارته لبيت الله الحرام كمسؤول.. لذات البقعة التي تهوي إليها كل الأفئدة.. ليطمئن على سير العمل في تطويرها والعناية بها.. لتليق بضيوف الله في بيته المعمور في أطهر بقاع الأرض.. ومع تسلل أول خيوط الضوء إلى فجر مكة في يوم جمعة.. تشي فيه قدسية المكان بمزيد من الصفاء الروحي لمناجاة رب الأرباب.. وقراءة المشهد كاملا بتجرد ودون رتوش.. عاد أمير مكة الجديد إلى ذات البقعة التي زارها بالأمس.. ولكن هذه المرة لوحده.. لقراءة مختلفة لكامل المشهد.. تستلهم من عظمة المكان وقدسيته ونوره.. ملامح الحلم القادم.. في خلوة مع الذات هنا.. في أطهر بقاع الدنيا.. تحفه أجنحة السكينة.. وتدفعه رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- لقهر المستحيل.. وتحقيق كل ما يجعل من قبلة الدنيا.. واجهة ومنارة عالمية تعيش في القرن المقبل.. فالحاضر ليس مكانا للطموح ولا الآمال.. والماضي جذور شجرة باسقة أصلها ثابت وفروعها تطاول عنان السماء.. لكن الغد.. هو المكان الحقيقي للعيش وللبناء.. هناك في المستقبل مستقر الطموح ومنتهى الأمل.. ومن يعرف مشعل بن عبدالله عن قرب.. يعرف أنه رجل يعيش في المستقبل.. وتتنفس رئتاه هواء أيام لم تأت بعد.. أهل مكة يعيشون في عالمين منفصلين ومتصلين في آن معا.. يعيشون في الماضي بجوار أول بيت وضع للناس.. وفي المستقبل في مدينة تسابق الزمن نحو العالم الأول بكل ملامحه وتفاصيله.. ومن استطاع أن يجمع لها نقيضي زمن.. يتحقق فيهما قول دوقلة المنبجي: «ضدان حين استجمعا حسنا والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ» ومن يحققهما لأم القرى.. فقد حقق حسنيين لا أجمل منهما ولا أعظم فضلا.. وقد كتب لسيرته في التاريخ مجدا.. لا تمحوه الأيام ولا تبليه السنون.. ذلك ما يقرأه أهل مكة في بريق عيني أميرهم الشاب.. ويرون في يديه مفتاح الحلم.. وهُم أدرى بشعابها.