شفط (صدقة) آخر رشفة من فنجان الشاهي المنعنش ، وقال متثائبًا : " أبغاكي تطلعي السطوح وتأكِّلي الحمام يا عيشة " .. مطّت شفتيها .. ومدّت ساقيها : " ماني طالعة يا صدقة ... أنا الله يعلم بحالي " .! قضم قطعة سكّر يستدرجها بحلاوة اللسان : " حرااام .. بعدين يموت الحمام يا عيُّوش " ..!! " محد يموت ناقص عُمر .. لو مات يكون خلّصْ عُمره " .. تابعت بصوت خافت وهي تنظر إلى السقف : " روح يا شيخ ، الله يطوّل عُمرك " .! " إنتي بتقولي حاجة يا عيشة " ؟؟ " قلت الدايم الله يا صدقة .. فيها شي " ؟! سعل وتنحنح ، ثم ردّ عليها بصوت يشبه الفحيح : " لا .. ما فيها شي " .!! ابتلعت عيشة مرارتها .. لاذت بالصمت ، لكن كل عضلات وجهها ، المستنفرة بحديث النفس،واصلت الركض ، وهي ترقب من النافذة سرب الحمام يحوم حول بيتهم : " يا ذا الحمام اللي سجع بلحون ، أنا ماني عارفة إيش عاجبك في صدقة " ؟!! تنهّدَت وسكتَتْ .. كحّت (عيشة) وعطست .. ثم زفرت وهي تواصل البث عبر الدائرة المغلقة : " والله لوكان عندي جناحين كان من زمااان طرت من هادا البيت" .!! كانت بالكاد تتحمّل دجاج البيت وديكه المزعج . زفرت عيشة ، ولكن هذه المرة على الموجة الطويلة : " ربّي عيالك قبل ما تربي الحمام ، معقول يا ناس دواجن فوق ودواجن تحت " ؟! وبينما كانت هي تولول كان صدقة يدندن ويموّل نكاية فيها : " ذكرتني يا ذا الحمام فنون قبلك دروب الغي ناسيها .. لا تطري الفرقة على المحزون ما داني الفرقة وطاريها هلي يلومنن ولا يدرون والنار تحرق رجل واطيها " .! ختمت في الأسبوع الماضي بالشاعر (محمد بن أحمد السديري) .. وأوردت هنا حمام الشاعر(ابن لعبون) ، وهما شمسان ومن الشهرة بمكان .. فهل أشير الى الشمس وأقول هذه هي الشمس ؟! لو أراد إنسان أن (يلطش) قصيدة فسيختار شاعرًا مغمورًا مثلما ادعى عشرون شاعرًا قصيدة (اليتيمة) . وإني أعتذر لمن (عتب) .. وأشكرك يا شمّرية وكل أصدقائي الذين احمرّت الصفحة بوجودهم ، وكما قيل (أقدر من الكاتب الجيّد القارئ الجيّد) وكلكم مقدَّرون .! أعود هنا فأورد بعض أبيات يتيمة (دوقلة المنبجي) الذي مات غيلة ولم يهنأ لا ب (دعد) ولا بالقصيدة : " لهفي على دعدٍ وما خُلقت إلا لطول تلهُّفي دعْدُ بيضاء قد لبس الأديم أدي .. .. م الحسن فهو لجلدهاجلد ويزين فوْديها إذاحسرتْ ضافي الغدائرِ فاحمٌ جعدُ فالوجه مثل الصبح مُبْيضٌ والشعر مثل الليل مُسْوَدُ ضدَّانِ لمّا استُجمعا حَسُنا والضِّد يُظهر حسنه الضدُ " .! وقد غناها كما تعلمون (سمير الوادي)، الشاعر والملحن والإذاعي القدير. ومما لا أنساه للأستاذ مطلق الذيابي يرحمه الله ،أنه ودّع أصدقاءه في مبنى الإذاعة وفي دور الصحف ، وعانقهم فردًا فردًا قبل موته بيوم واحد . أرأيتم أن الدنيا بما عليها ومن عليها (فانية) ؟! والآن .. سامحونا أو (أخصرونا) .. المهم روِّقونا وخلُّونا نكتب .!!