طب شعبي حير العلماء، وآمن به من جرب فوائده .. حكاية شعبية يرويها كبار السن في شمال المملكة عن ترياق مبتكر منذ القدم يشفي من لدغات العقارب والثعابين، يطلق عليه الأهالي ترياق (الحواة) «جمع حاوي» وتختلف طريقة استخدامه من شخص لآخر ولكل شيخ طريقته الخاصة. تسمية ومعنى عرفت «الحواية» في منطقة تبوك قبل إنشاء المستشفيات بعشرات السنين، ولم يكن وقتها علاج للشخص الملدوغ سوى «الحاوي» .. حيث يؤتى بالشخص المصاب بلدغة عقرب أو ثعبان أمام المعالج فيقوم بالضرب بكفه على مكان اللدغة بعد أن يذكر اسم الله، فيشفى المصاب تماما، وبما أن كلمة الحاوي تطلق في منطقة شمال أفريقيا على «الساحر» إلا أن معظم سكان بادية تبوك يرفضون هذه التسمية أو المعنى، ويعتقدون أن الحواية هي هبة يهبها الله لشخص ما تمكنه من علاج المصابين بلدغات العقارب والثعابين حتى في زمننا الحاضر. وبحسب حديث أهل بادية تبوك، فإن «الحواية» لا تتوقف عند شخص معين بل تنتقل أو تورث من شخص لآخر، وذلك بأن يؤتى بالطفل الذي يؤمل أن يكبر ويصبح حاويا ويقوم الحاوي بمضغ حبات تمر أو القليل من السكر في فمه ونقلها إلى فم الطفل، أو أن يضع من ريقه في أناء ماء ويشربه الطفل المراد له أن يكون حاويا. الحواية وأسرارها ويشير بعض أهل البادية في شمال الجزيرة العربية، إلى أن الحواية وقوتها وجودتها تختلف من شخص لآخر لذلك يقول البدو «حواية فلان فسدت» أي أن ضربه لمكان اللدغة لم تعد ذات جدوى. «عكاظ الأسبوعية» نفذت جولة ميدانية في بعض قرى بادية تبوك بحثا عن الحواة المشهورين في المنطقة، والتقت بالعم أبو ضيف الله العمراني والذي يعيش في قرية علقان على بُعد 180 كلم من مدينة تبوك، وفي منزله البسيط تحدث العمراني عن الحواية وأسرارها، وقال «الحواية هي هبة من الله، وهي طريقة قديمة لمعالجة لدغة الأفعى أو العقرب، وهذه الطريقة مشهورة في المجتمعات البدوية وخصوصا عند سكان الصحراء وكان هناك في السابق عدد من الحواة المشهورين الذين توفاهم الله فيما يمتنع من بقي منهم على قيد الحياة التحدث أو الكشف عن أسرار هذه المهنة الغامضة». وأضاف العمراني، «الحواة أشخاص يضربون بقدرة من الله مكان لدغة العقرب أو الثعبان باليد بعد النفث عليه بريقهم فيبطل مفعول السم بإذن الله»، مشيرا إلى أنه اكتسب الحواية من رجل طاعن في السن عندما كان صغيراً وعندما كبرت صرت «أحوي» الملدوغ لوجه الله تعالى ولا اتعاطى ثمنا لقاء ما أفعل، ومؤخرا سمعت من يحرم ما نفعله، رغم أن ما أفعله هو ضرب باليد بعد أن اذكر الله واقرأ المعوذات. ويعود العم ضيف الله بالذاكرة إلى عدة حوادث ذات علاقة، وقال «جاءني في إحدى الليالي شخص من البادية ومعه طفل صغير تعرض للدغة عقرب، فسميت باسم الله وضربت مكان اللدغة، وما هي إلا دقائق حتى عاد إلى طبيعته، عقبها ذهب به والده إلى المستشفى حيث أثبتت الفحوصات عدم وجود أي آثار للسم في جسد الصغير»، وأردف «كان يستعين مستشفى خاص في محافظة حقل قديماً بالحواة حينما يستعصي عليهم علاج المصابين بلدغات العقارب والثعابين وما زال بعض من سكان البادية يستعينون بنا وقد ورث ابني الكبير مهنة الحواية مني». وتابع العمراني، «بعد ولادة الطفل بشهور أقوم «بالترييق» وهو النفث على قدح به ماء أو حليب ثم يشرب الطفل من القدح الذي تم النفث فيه، بعد ذلك بإذن الله لايصاب الطفل بأذى من الثعابين أو العقارب، وبإمكانه أن يكون حاويا ويعالج المصابين». شفاء الملدوغ وللوقوف على حقيقة هذه النوعية من العلاج، حاورنا عددا ممن تم علاجهم عبر الحاوي، حيث أكد عدد من أهالي البادية والقرى صحة وحقيقة علاج الحاوي، وهو ما أكده عبدالرحمن العطوي أحد الذين عولجوا بالحواية بالقول «تعرضت للدغة عقرب وعلى الفور توجهت إلى الحاوي وبإذن الله تم شفائي تماما حيث أكدت الفحوصات الطبية في أحد المستشفيات خلو دمي من أثر السم». وبموازاة ذلك يقول عواد مطير، هذا الأمر هبة من الله يعطيها لقلة من الناس يستطيعون بإذن الله شفاء الملدوغ، وهذا الأمر كان شائعاً ومنتشرا بشكل مباشر في الماضي، أما الآن فقد انخفضت نسبة من يعتمدون على الحاوي علماً بأنني أحد الذين عولجوا بالحواية. من جانبه، قال صالح فريج أن عمه كان حاويا مشهورا وقد توفي قبل خمس سنوات لكنه اشتهر عند أهل البادية بالحواية وقوتها، ويضيف «أن أشهر طرق الحواية تتم عبر الضرب حيث ينفخ الحاوي على كفه ويضرب بها مكان اللدغ ثلاث مرات وهو يقول «ضربنا سايات الله بأمان الله، الله أكبر»، وسايات الله: تعني مخلوقاته التي تؤذي الإنسان فيشفى المصاب فورا بإذن الله»، ويشير صالح فريج إلى أن بعض الأطباء خاصة ممن عاصروا تلك الحقبة أو ممن عرفوا بأمر الحواية اعترفوا بها دون أن يجدوا تفسيرا علميا لها.